viernes, 17 de agosto de 2007

ما هو عربي في أدب خورخي أمادو

/ ترجمة/

محمد القا ضي / ادريس الجبروني

ما هو عربي في أدب خورخي أمادو

- سيرخيو ماثياس

الاتحاد الاشتراكي/10/1986

ولد الكاتب "خورخي أمادو" في البرازيل سنة 1912، ويعتبر واحدا من كبار كتاب أمريكا اللاتينية إلى جانب "غبرييل غرثيا ماركيت" و"كارلوس فوينتس" و "ماريو فارغاس جوسا" و "خوليو كورتا ثار" و "خوان رولفو". تدور رواياته حول حدث في منطقة غنية بمناظرها وحياتها الشعبية. أسلوبه في الكتابة يدخل في إطار الواقعية، ولكن خياله المثمر جدا، يسمح لنا بأن نغوص في الدراما الإنسانية وفي ما هو شاعري، كما أنه لا يقف عند حدود الوصف التفصيلي لكل ما يحيط به، بل يدخل عناصر أدبية تعطي لعمله الأدبي طابعا أكثر سحرية، ومن دون شك يفوق كل ما هو دقيق، أو ما يمكن اعتباره فوتوغرافيا.

والأرض المفضلة عند "خورخي أمادو" لتطوير حكاياته هي منطقة باهيا BAHIA.

وفي إسبانيا رأينا الانتشار الواسع الذي لقيته روايته الأخيرة "غبرييلا، المسمار والقرفة" حيث أن ما هو عربي في هذه الرواية يصبح واضحا وملموسا جدا، من خلال شخصية الرواية "نجيب سعد" وهو سوري انتقل إلى البرازيل في سن مبكر. ومع ذلك في دوام الأحداث، لا يهجر نجيب عاداته العربية، وهو شيء واضح في هذا الكتاب. إنه عربي سوري منسجم ومتكيف، لكن جزء من قلبه معلق بأرض أجداده. وكما هو الشأن عند كتاب آخرين من أمريكا اللاتينية نرى أن أحداث الرواية تجري بقرية مثل قرية "كومالا" في أعمال "خوان رولفو" وقرية "ماكوندو" عند الكاتب الكولومبي "غبرييل غرثيا ماركيث" وهو مكان خلقه، بنفسه، ولكنه كثير الشبه بالواقع، وعند "خورخي أمادو" تجري أحداث الرواية في قرية "اليهيوس" وهي بلدة موجودة، غير أن الكاتب يغرقها بمهارته في مناخ سحري بكل روح الواقع. إن "اليهيوس" ميناء يوجد في "باهيا" وتكمن أهميته بالضبط فيما يصفه لنا الكاتب، أي تصديره مادة "الكاوكاو". ويوجد في هذه المنطقة شعور ديني قوي، وهي مسألة حاضرة كذلك في هذه الرواية.

عندما ننتهي من قراءة هذه الرواية نلاحظ أن الكاتب قد حملنا عبر سراديب من تاريخ البرازيل الممشوق، حيث استغلال النظام الزراعي والفوارق الطبقية تشكل إطارا دراماتيكيا مفزعا، ويمتزج الشعر بالواقع في هذه الرواية لكي يشكل حكاية قوية للمضمون الاجتماعي والاستيتيقي.

يلتقط الكاتب الفولكلور وكل ما هو شعبي ويمزجه بقصة حب وذلك بطريقة فكاهية بارعة، تبدأ الحكاية في اللحظة نفسها التي وقعت فيها جريمة لمدة من الزمن موضوع حديث وتعاليق أساسية عند سكان القرية. إن مسألة العرض والشرف لها حجم كبير بالنسبة لأهل القرية، ولكي يتم محوها لابد من الوصول إلى الجريمة، ولا يمكن لأحد أن يبقى ملطخا بالخدعة.

إن الكاتب يعكس ملاحظات حادة في سلوك وتصرفات شخصيات الرواية، بمعنى أن القارئ يعتبرهم ينتمون إلى الواقع. أما فيما يخص الموضوع الرئيسي، فإن المسألة تتعلق بقصة حب فضولية بين عربي وامرأة مولدة خلاسية.

إن الوصف الذي يقدمه الكاتب لشخصية الرواية، السوري الأصل، يناسب تماما ملامح رجل من الشرق الأوسط، وفيما يتعلق "بغبرييلا" فهي امرأة يخرجها نجيب سعد من البؤس بدافع الحاجة إليها، إنها امرأة جميلة جدا ونشيطة تغمرها العاطفة، وهي امرأة محافظة على عاداتها التي هي عادات تنتمي إلى منطقة داخل البلاد.

إن نجيب هو شخص محبوب لدى زبنائه. ويرى في أهل القرية شخصا.

يملك العربي نجيب حانة في القرية، وكان في حاجة إلى طباخة لكي يستطيع تلبية طلبات زبنائه، وخاصة أنه كان مقبلا على إعداد وليمة، الشيء الذي جعله يطوف المدينة كلها : الأسواق والأحياء حتى عثر على "غبرييلا" التي ستكون هذه المرة السبب في هيجان الرجال الذين يرتادون الحانة، فالكل يطلبها الشيء الذي دفع بالعربي إلى التعلق بها، مما نتج عنه غرام مليء بالسعادة والشقاء.

هذه الرواية تملك جاذبية تحتوي على سلسلة من العناصر التي تكون جزء من حياة القرية نفسها : المعجزات والخرافة، وما هو ديني، ومناخ حيث ندرك كذلك بطريقة جد ضعيفة مشكل الوحدة والعزلة. أما ما هو ديني فتذكر فلسطين ذلك المكان البعيد عن قرية ضائعة بأمريكا اللاتينية لتذكر أفضل عيد ميلاد المسيح : "المعلق، كما هو منتظر، يمثل ميلاد عيسى بفلسطين البعيدة. ولكن، آه، الأرض الشرقية القاحلة، تقريبا اليوم هي تفصيل وسط عالم متنوع حيث تمتزج فيه بطريقة ديمقراطية مشاهد وصور أكثر اختلافا وتعددا من فترات التاريخ، الذي يتسع من عام لآخر".

هناك لحظة في الكتاب يتم فيها أخيرا التعرف حقيقة على من هو نجيب، لأن المؤلف حتى تلك اللحظة، قدم عنه فقط وصفا خارجيا : "وفقط عندئذ عرف أم نجيب كان على دين محمد (صلعم)....".

خفيف الروح وطيب جدا، وأن كان ضعفه الحاد هو النساء. وهو نشيط وطموح ومفروم. كان يعجبه أن يكون محط اعتبار : "يا للشياطين ! في نهاية المطاف، لم يكن المسكين شقيا مثل أي كان، لقد كان السيد نجيب سعد، ذائع الصيت في البلدة، يملك أفضل حانة في القرية، له رصيد في البنك، وصديق لكل الناس المهمين، وأمين جمعية التجارة، حتى أن اسمه ذكر لإدارة "نادي التقدم".

إن كان حقيقة أن العربي يكافح ضد التقاليد المرعبة عند الناس الذين يحيطون به، فهو كذلك كان يسقط بعض المرات في نفس الشيء. هذا الكتاب له أهمية، زيادة على أنه يطرح معركة سياسية، وإطارا اجتماعيا محددا في سنة 1925، يطرح كذلك الوصولية، والفحولة والحب، وبعض المقومات الجنسية، وخاصة في الشكل الذي يكون عليه الرجل، وإن كان لا يتذكر اسم بلده فهو يحتفظ بتقاليد وعادات أجداده، وامرأة مولدة خلاسية، ناعمة ومثيرة، وجريئة، عانت من الآلام والفقر والأمل.

كما يقول "خورخي أمادو" إن الموضوع يتعلق ببرازيلي من بلاد العرب "مغامرات ومحن لبرازيلي طيب (ولد في سوريا) بقرية "اليهيوس" سنة 1925، حيث ازدهر الكاكاو وسيطر التقدم. بالحب والجرائم، والولائم والمحالف، إنها حكايات متعددة لكل الأذواق ...".

LO ARABE EN LA LITERATURA de RUBEN DARIO /ما هو عربي في أدب روبين داريو

ما هو عربي في أدب روبين داريو

سيرخيو ماثياس

ترجمة/ ادريس الجبروني المصمودي / محمد القاضي

الاتحاد الاشتراكي/10/1986

إن ما هو عربي موضوع مهم في إبداعات هذا الشاعر النيكاراغوي الكبير.

ففي كتابه "صفحات من النثر الدنيوي" وقصائد أخرى جمعها في ديوانه "رواق" الصادر سنة 1882م، حيث يتجه خياله إلى ما هو شرقي، فيبتكر ويبدع حالات شعرية أسطورية، وعندئذ يمتلئ إلهامه بالمجوهرات. هناك غزارة في التعبير والخيال والموسيقى، مثل :

"طائر تائه خطاف مثالي

يطير وحيدا من الجزيرة العربية إلى تخوم منعزلة

ويرى عن برجه الفضي مرور ملك من الشرق فوق جمل".

ويستمر في وصفه ليحدثنا عن هذا الملك الذي يفتح أبواب الشرق لشيطان.

الشعر، "في ذلك الشرق حيث يستلهم في الموريسكيات الراقصات الغريبات حيث يتأمل أولا ويعجب.

لنقوش الحمراء الرائعة.

الراقصات النابضة لنوار القطيفة.

حيث تزيح المرأة العربية لثامها.

المفكرون والخلفاء الكبار.

بعيون سوداء ولحى فضية".

نلاحظ أن المصطلحات التي يستعملها الشاعر تتعلق بجزء مهم لما هو عربي وبالتحديد ما له علاقة بالموريسكيين.

إنه في هذا الجزء من القصيدة يركز ما هو عربي يعطي قوة ورقة حسية فيظهر في شكل واضح كي يبني بطريقة جمالية جوا غراميا محققا الهدف الذي يتبعه، حساسية هشة. إن الرقصات الناعمة التي تؤدي فوق زرابي عجيبة. بينما المرأة العربية تخلع اللثام عن وجهها.

يرى الشاعر في إسبانيا التأثير العربي، فينشدنا في نفس القصيدة لحظة خروج شيطان من أرضه السابقة ليصل إلى الأندلس الذي : "يحلم ويعيش في قصر الحمراء العربي / وتسكب العطور على شعرها" نلاحظ هنا بأن علاقته الشعرية التاريخية مرتبطة من إسبانيا الإسلامية ففي قصيدته "الفن" المهداة "لفيكتور هو جو" والتي تقدم فيها مراجعة للخلق والإبداع الثقافي في العالم، مستعيدا بذلك الحنين لما هو قديم : "يشير إلى اللانهائي

قممه العملاقة

إنها بالزمن منتصرات

أهرامات مصر

يوجد فيها فن كذلك

في تلك الحجارة الضخمة

كالقضبان الزاهية

كالفردوس الموريسكي الجميل

وتعيش روحها كلها

يوجد نفسها الرائع

في السقف البيزنطي".

يعبر الشاعر لنا هنا على أن الفن في هذه الأهرامات المصرية، ويجب كذلك أن نركز اهتمامنا في الجديد الرائع للفردوس الجميل الذي شيده العرب المغاربة، والتي سيتمكن من الوقوف عليها خلال رحلاته القصيرة إلى جنوب إسبانيا والمغرب. هناك جاذبية بارزة يحس بها المرء نحو هذه الأماكن النائية، كما كتب بمناسبة عيد ميلاد المسيح سنة 1914م.

"وأنا على حماري المسكين، أسير في اتجاه مصر،

وبدون نجمة قطبية، بعيدا جدا عن بيت لحم"

إنه لا ينظر إلى الشرق من خلال قراءاته فقط وإنما يحس كذلك بأنه مشدود إليه، وذلك من خلال ما يحكونه عن هذه الأراضي في المسامرات الأدبية مع الشاعرين" أنطونيو دي تاياس وثوريجا الخ...

هذا الإعجاب يكرره في "قوافي" سنة 1887م، عندما يغني :

"كعلبة الحلي من الشرق"

لكن أكثر تأكيدا عندما يعبر بأنه يشرفه أن يقدم أغنية جميلة جدا وناعمة "كعقد زبيدة الممتلئ باللؤلؤ الهر موزي والتي تفوح كالورد وتلمع كالندى في ورق الزهر للوردة الحديثة المولد".

كما نعلم أن زبيدة هي زوجة الخليفة هارون الرشيد، وقد تعرف الشاعر على اسمها في كتاب ألف ليلة وليلة أحد كتبه المفضلة، والرمز نسبة إلى الجزيرة الموجودة في مدخل الخليج العربي.

وبالتحديد فإن "أب الحداثة" كما وصفه عام 1899م" "انكريكي غوميث كاريجو" يحس بحماس كبير هو ماعة شرقي أوسطي، من هنا تأتي إشاراته إلى ما هو عربي مثل الأسطورة وتمجيد الرقي العربي في الحب، التي يتجلى فيها مفهوم الحتمية الذي سوف لن يغيب عن نظر الشاعر النيكاراغوي الكبير.

وفي قصيدة أخرى يهديها إلى "فينوس" يقول بأن روحه العاشقة تبدو له كملكة شرقية، أما في قصيدة "ليكونطي دي ليسلي" فإنه في منتهى الدقة، إذ يشير إلى ما هو عربي بل إلى ما هو هندي، لكن كل هذا الإحساس الذي يحسه اتجاه الشرق فيسحره، ولهذا يغني قائلا :

رؤى خرافية وروح شرقية"

هذا البيت الشعري يمكن أن ينطبق على روبين داريو نفسه، عندما يحس بأنه طرف من ألف ليلة وليلة، أو جزء من أسطورة عربية أخرى.

إذا إن كل من له رائحة أو مذاق أو لون من الشرق يجتذبه، كما يعبر عن ذلك في "صفحات من النثر الدنيوي" –في شرود- "كوردة الشرق تسحرني".

وفي قصيدة "رواق" التي رأيناها سابقا، فالشاعر بعد أن حدثنا عن مالقا وأشبيليا وعن الحلي ورقصات الفلامنكو فوق المنصات، وعن الساحة الأندلسية، يعود إلى الثقافة القديمة ليروي عن ملكة سبأ (ملكة اليمن وهي معروفة بقصتها مع النبي سليمان).

"في كنوز ملكة سبأ

تحفظ في سرية إشارات سماوية

أسهم من النار في جعبة تشابها السحري

لالي، وياقوت، والياقوت الأزرق، والأحجار الكريمة".

قبل أن ينهي القصيدة، يكرر روبين داريو ما هو عربي ليعطي بعدا أكبر لحكاياته :

"لها معبر كقصر من المرمر

تحتفظ بأبي الهول ومحياه المصري".

"تزين الجدران الفسيفساء والصور

قطع مذهبة من شمس مجزأة

قزحيات مضفرة في ألف توريقة

جواهر منقوشة بمهارة"

كذلك عندما يكتب "التناسخ" يقدم لنا وضعية تاريخية ملفوفة بالأسطورة عن الملكة الشهيرة والباهرة، ملكة مصر "كيلوباترة" إن الخيال كله والمشهد والبيئة والتراجيديا كل هذا عربي. وبالنسبة لهذه القصيدة وضع الشاعر شخصية جندي استطاع الوصول إلى سرير الملكة :

"أنا كنت الجندي الذي نام على سرير

الملكة كيلوباترة

بياضها، ونظرتها القادرة القوية

كان ذلك كل شيء

"روفو كالو" كنت جنديا ودما

ملكت "غاليا" وعجلة الإمبراطورية

منحوني دقيقة جريئة من نزوتها

كان ذلك كل شيء

لماذا تشنجت عضلاتها

أصابعي البرونزية لم تضغط

على جيد الملكة الأبيض هزلا

كان ذلك كل شيء

حملت إلى مصر مسلسل العنق

أكلت ذات يوم

من طرف الكلاب

اسمي، روفو كالو

كان ذلك كل شيء.

أمام هذا الإبداع الشاعري "لروبين داريو" يبرز هذا السؤال : هل كان الشاعر حقا يحس تمتعة لما هو عربي؟ أم أنه فقط مصدر يساعد شاعريته؟ مما سبق أن قرأنا يمكن الجزم بأنه كان حقيقية يتوفر على شدة الإعجاب والتقدير للثقافة والجمال والمعمار والأساطير العربية. لنأخذ كمثال على ذلك ما يذكره في كتابه : "رحلة إلى نيكاراغوا" وفيما يتعلق بامرأة وطنه المحبوب "المرأة النيكاراغوية ليس طابع محدد يميزها عن باقي نساء أمريكا الوسطى، ولها شيء خصوصي تتميز به، إنه نوع من الفتور العربي وإهمال الأوروبيين المهاجرين، وهو ما يوحد طبيعة أناقتها وخفة حركاتها عند المشي".

مما لا شك فيه أن هذه الكلمات التي تدل على الحنان والإعجاب لأن خاصية تلك النساء تكمن في تلك الهشاشة وفي تلك الليونة الاشتياقية التي تتحد مع رشاقة حركاتها. إن ما يجده الكاتب حقيقة في نساء بلده هو الإرث الإسباني الأندلسي، ولهذا فإن تلك الروح العربية تتجلى بها هاته الشخصيات وبما أنه شديد الملاحظة عندما يحدثنا عن مسقط رأسه عاطفيا الذي هو "ليون" يقول لنا : بأن لها مواصفات مدينة إسبانية "قراميد ثقيلة عربية تغطي السقوف" وفي قصيدة "الصفحة البيضاء" التي كتبها سنة 1896م يضع نفسه في مقام حقيقي أمام صفحة بدأت تمتلئ بالأحلام. إن الموضوع الرئيسي في بعض هذه القصائد هو الألم الذي بدأ يحسه في هذه الحياة، لمجرد أنه موجود، وفي بعضها الآخر المتعة، ولكنه أمامهما معا هناك قدر الموت. ولكي يحقق هنا قوة الشاعرية، وما هو تراجيدي، فإن روبين داريو" يستعمل كلمات لها مدلول أكثر دقة داخل البانوراما العربية.

هذا الرحالة الجوال الصبور لا يكل، وصل إلى التشيلي بحثا عن جودة أدبه حيث نشر هناك كتابه الشهير "أزرق" كما رحل إلى جمهورية السلفادور والأرجنتين وغواتيمالا، وباناما والمكسيك وكوبا، والبرازيل وكولومبيا، وكوستاريكا، والبيرو، والأرغواي والولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وبلجيكا وانجلترا وألمانيا والنمسا، وهنغاريا والبرتغال والمغرب الذي تأثر به كثيرا كما يحكي لنا في كتابه "الأراضي المشمشة

عن مجلة/

CALAMO : 10-1986

" LAZARILLO DE TORMES" ...MARRUECOS DIGITAL Miércoles, 25/07/2007



MARRUECOS DIGITAL
Miércoles, 25/07/2007
‘El lazarillo de Tormes’, traducido al árabe. (D.Jebrouni y M.Messari trads)

Uno de los grandes clásicos de la literatura española, en traducción al árabe.
Editorial: Ediciones Litograf (Tánger)Traductores: Driss Jebrouni y Mohamed Mesari
El Lazarillo de Tormes, una de las obras más señeras de la literatura clásica española, ha sido traducido al árabe y publicado en Marruecos.
(06/07/07)

martes, 14 de agosto de 2007

الرواية البيكارسكية أو الشطارية / تقديم الدكتور جميل حمداوي لترجمة لاثريو دي طورميس


الرواية البيكارسكية أو الشطارية



الدكتور جميل حمداوي




أ- الدلالات اللغوية والاصطلاحية:



لم تظهر لفظة بيكاريسكاPICARESCA باعتبارها لفظة إسبانية إلا في نهاية الربع الأول من القرن السادس عشر، قبيل ظهور الرواية الشطارية الأولى في الأدب الإسباني للروائي المجهول ألا وهي:La vida de Lazarillo de Tormes y sus fortunas y adversidad[1]( حياة لاثاريو دي طورميس وحظوظه ومحنه).


وتدل هذه اللفظة على جنس أدبي جديد تشكل في إسبانيا لأول مرة. ثم، انتقل بعد ذلك إلى فرنسا وألمانيا وانجلترا وأمريكا. و تعني هذه الرواية ذلك المتن السردي الذي يرصد حياة البيكارو أو الشطاري المهمش؛ لذلك تنسب هذه الرواية إلى بطلها بيكاروPicaro ) الشاطر) أو(المغامر) الذي يقول عنه قاموس الأكاديمية الإسبانية:" نموذج شخصية خالعة و حذرة وشيطانية وهزلية، تحيا حياة غير هنيئة كما تبدو في عيون المؤلفات الأدبية الإسبانية"، أو أنه:" بطل مغامر شطاري مهمش صعلوك محتال ومتسول"[2]. وتعتقد الأكاديمية الإسبانية أن لفظةPicaro مشتقة من فعلPicar في معناه الشعبي المجازي، وهو الارتحال والصيد واللسع.


وتعني picaresque في اللغة الفرنسية الأعمال التي تصف الفقراء والمعوزين والمعدمين والصعالكة والمتسولين والأنذال أو قيم المتشردين والمحتالين واللصوص في القرون الوسطى.


والبيكارو باعتباره بطل الرواية البيكارسكية ليس بمقترف جرائم في معنى الجرائم الحقيقي، ولكنه ينتمي إلى طائفة المتسولين، لايبالي كثيرا بالقيم ومسائل الأخلاق مادام الواقع الذي يعيش فيه منحطا وزائفا في قيمه، يسوده النفاق والظلم والاستبداد والاحتيال حتى من قبل الشرفاء والقساوسة والنبلاء ومدعي الإيمان والكرم والثراء. وما همّ البيكارو سوى البحث عن لقمة الخبز ورزق العيش، لذلك فهو في حياته مزدوج الشخصية، جاد في أقواله ونصائحه ومعتقداته، وذكي يتكلم بالنصائح، ويتفوه بإيمان العقيدة، ولكنه في نفس الوقت، يسخر من قيم المجتمع وعاداته وأعرافه المبنية على النفاق والهراء. ويأنف البيكارو من اتخاذ عمل منتظم لرزقه، بل يتسكع في الشوارع ويتصعلك بطريقة بوهيمية وجوديية وعبثية، يقتنص فرص الاحتيال والحب والغرام، منتقلا من شغل إلى آخر كصعلوك مدقع يرفضه القانون وسنة الحياة والعمل، يفضل الارتحال و الكسل والبطالة. وعلى الرغم من كل هذا، يحصل على المال لاباغتصابه ، بل بالحيل والذكاء واستعمال المقدرة اللغوية والحيل والمراوغة وفصاحة اللسان وبلاغة البيان والأدب. ويجعل الناس يقبلون عليه بسلوكياته ومواقفه ويرغبون في مصاحبته ومعاشرته إشفاقا عليه وعطفا واستطرافا.[3]


وتعتبر نصوص البيكارسك بمثابة قصص العادات والتقاليد للطبقات الدنيا في المجتمع، أي إنها قصص مغامرات الشطار ومحنهم ومخاطراتهم. لذا غالبا ما تكتب بصياغة سيرية أوطوبيوغرافيةAutobiographie روائية واقعية ، سواء بضمير المتكلم أم بضمير الغائب؛ لذا تسمى أيضا بالرواية الأوطوبيوغرافية البيكارسكية التي تؤكد مدى اعتماد الرواية على تصوير البعد الذاتي وتجسيد تقاطعه مع البعد الموضوعي. وتتخذ هذه الرواية صيغة هجائية وانتقادية لأعراف المجتمع وقيمه الزائفة المنحطة فاضحة إياها بطريقة تهكمية ساخرة، منددة بالاستبداد والظلم والفقر.


وتتغنى الرواية البيكارسكية باعتبارها رواية شعبية بالفقراء والكادحين والمهمشين الذين صودرت حقوقهم وممتلكاتهم وحرياتهم وأصبحوا يعيشون على هامش التاريخ.


ولقد أطلقت على الرواية البيكارسكية في الحقل العربي الحديث عدة مفاهيم ومصطلحات وتسميات. فهناك من يفضل الاحتفاظ بنفس المصطلح الغربي( بيكاريسك ) لنجاعته ودقته دلالته الوضعية والاصطلاحية، وهناك من يختار مصطلح الشطار كماهو الشأن لدى محمد شكري الروائي المغربي،[4] ومحمد غنيمي هلال[5] وإسماعيل عثماني[6]. وهناك من يستعمل مصطلح الرواية الاحتيالية كالدكتور علي الراعي [7]، وهناك من يطلق عليها الأدب التشردي أو أدب الصعلكة أو أدب الكدية أو أدب المهمشين(Les marginaux) عند الأديب والباحث التونسي محمد طرشونة [8].


و في اعتقادي،أن مصطلح (الاحتيالية/المحتال) لدى الدكتور علي الراعي لاينطبق دائما وبشكل دقيق على شخصية هذه الرواية؛لأن هناك من يتمسك في هذه الروايات الشطارية بالقيم الأصيلة ويتشبع بالمثل العليا والفضائل السامية، ولا علاقة له بعالم الاحتيال ومواضعاته الدنيئة. ويمكن أن ينطبق الاحتيال باعتباره خاصية أدبية أخلاقية على بعض الشخصيات في العصور الوسطى ؛ ولكن لايمكن تعميمه على جميع العصور والأجناس والقصص والروايات الأدبية.


وأفضل شخصيا استعمال مصطلح( Picaresque) البيكاريسك بصيغته الأجنبية أو ترجمته بأدب الشطار أو أدب المغامرات والمحن الجريئة والمخاطر البطولية أو بأدب الصعلكة والتمرد على الواقع الرسمي السائد الذي تتفاوت فيه الطبقات الاجتماعية بطريقة غير عادلة ولاشرعية.



ب- مميزات الرواية البيكارسكية:



ومن خصائص ومرتكزات الشكل الروائي البيكارسكي وتيماته الأساسية:


1- الرحلة بمغامراتها ومفاجآتها العديدة.


2- صعلكة البطل وعطالته وتمرده على الواقع الرسمي والمؤسساتي.


3- مواجهة البطل لمجموعة من المحن والمكائد.


4- الطابع الاوطبيوغرافي( السيرة الذاتية أو الأطبيوغرافية).


5- التمرد والتشرد والاحتيال الشطاري.


6- المعاناة من التهميش والاغتراب و الفقر والظلم والانطواء على النفس.


7- التهجين الأسلوبي وشعبية الملفوظ والتقاط اليومي المبتذل.


8- الأسلبة والباروديا والسخرية والضحك الماجن والمفارقة.


9- الواقعية الانتقادية في هجاء الواقع والناس و اعتماد الثورية في تحدي أعراف الواقع ومواجهة قيمه المبتذلة.


10-الإباحية والاحتيال وجدلية الذاتي والموضوعي.


11-الصراع بين القيم الأصيلة والقيم المنحطة.


12-الانطلاق من فلسفة العبث والسأم والقلق الوجودي والضياع التشردي.


ج- التخييل البيكارسكي ( الشطاري في الغرب):


ازدهرت الرواية الشطارية أو البيكارسكية في أوربا الغربية في القرنين: السادس والسابع عشر خاصة في إسبانيا. ويعرف القرن السادس عشر(القرن الذي ظهر فيه البيكارو) في إسبانيا بالعصر الذهبي(Siglo de Oro)؛ " لأنه عرف نشاطا واسعا في الحق الثقافي. أما على الصعيدين السياسي والاجتماعي، فإن الطبقتين الحاكمة والوسطى كانتا تتمتعان بعيش رغيد على حساب الطبقة الدنيا التي كانت تعاني من قساوة الحياة وقمع السلطة. وأدبيا ، كان يطغى على الكتابات الشعرية والنثرية والمسرحية طابع الرسمية حيث قامت الكنيسة بدور الرقيب واتخذت إجراءات صارمة ضد كل من انحرف عن القانون المتبع في التأليف والكتابة(Canon). وعندما ظهرت حياة لاثاريودي تورميس كان ذوق القراء في إسبانيا مطبوعا على كتابات الرواية الرعوية والرواية التاريخية- الموريسكية وروايات الفروسية والملاحم. ولما كانت حياة لاثاريودي تورميس تروي قصة فريدة وواقعية لبطل يختلف جذريا عن أبطال الروايات الآنفة الذكر استرعى ذلك انتباه القراء الإسبان على اختلاف انتماءاتهم الطبقية والسياسية"[9]


هذا، ويسافر البيكارو الشطاري في هذا النوع من الرواية على غير منهج في سفره، " وحياته فقيرة يائسة يحياها على هامش المجتمع، ويظل ينتقل بين طبقاته ليكسب قوته، وهو يحكم على المجتمع من وجهة نظره هو حكما تظهر فيه الأثرة والانطواء على النفس، وقصر النظر في اعتبار الأشياء من الناحية الغريزية النفعية. فكل من يعارضه فهو خبيث، ومن يمنحه الإحسان خيّر".[10]


ولم تعد الرواية البيكارسكية رواية مثالية مجردة كروايات الرعاة والفروسية( دون كيشوت لسيريفانتيس مثلا)، بل أصبحت روايات واقعية قوامها الانتقاد والسخرية والتمرد على ماهو رسمي والتنديد بقيم المجتمع ومبادئه المتهرئة المزيفة.


ويعني هذا أن الأدب البيكارسكي في أوربا ظهر كرد فعل على طغيان قصص الفروسية والرعاة كما هو مبثوث في قصة أماديس دي جولا الإسبانية، وقصة سجن الحب La carcel de amor للكاتب الإسباني سان بيدروSan Pedro، وقصة ديكاميرون للكاتب الإيطالي بوكاشيو، ومن قصص الرعاة أيضا أوكاديا للكاتب الإيطالي سّنزارSannazar.


وقد انتقل هذا الجنس من القصص إلى الأدب الإسباني والإنجليزي والألماني، ثم إلى الأدب الفرنسي على يد أونوريه دورفيه Honoré d’Urfé في قصته المسماة أستريه Astré وموت الحب لجوتيهGoethe.[11].


ولقد تأثر بالقصة الشطارية الإسبانية الروائي الفرنسي شارل سورلCharles Sorel صاحب قصة فرانسيونFrancion التي نشرها في باريس عام 1622م. و قصة فرانسيون هجاء" للعادات والتقاليد والطبقات الاجتماعية في عهد لويس الثالث عشر. وينص هذا القاص على أن القصة الفكاهية أو الهجائية أولى أن تعد أفكارا تاريخية . وعليها بذلك أن تقترب من الحقيقة بوقوفها عند أحداث الحياة المألوفة، وبدت الحياة من ثنايا هذه الحقيقة في أنظاره- كما كانت في ملاهي موليير- أقرب إلى الشطط والجنون منها إلى الحكمة والاتزان، ولهذا كانت قصص الشطار- وهي قصص الهجاء ووصف العادات الاجتماعية- أداة لتقريب القصة من واقع المجتمع".[12]


وقد ظهر تأثيرالبيكاريسك عند بعض الأدباء الفرنسيين واضحا عند تيوفيل دوفيوThéophile de Viau وتريستان ليرميت Tristan l’Hermite، وأدى ذلك إلى ظهور الرواية الشخصية Roman Personnel أو رواية الفرد التي تعتبر إرهاصا حقيقيا للرواية الرومانسية ذات الرؤية الأكثر واقعية " للمجتمع من الرؤية الأسطورية".[13]


وكان لرواية تاريخ فرانسيون الحقيقي الهازل vraie histoire comique de Francion تأثير كبير على رواية لوساج Le Sage (جين بلا) التي ظهرت طبعتها الكاملة في فرنسا عام 1947م، وقصة جوتييه Gauthier موت الحب Mort d’amourالتي ظهرت في باريس عام 1616م.


وعلى الرغم من أهمية الرواية الشطارية الفرنسية ، فتبقى الرواية الإسبانية بكل جدارة مهدا للرواية الإشكالية المثالية المجردة( دون كيشوت لسيريفانتيس)، والرواية البيكارسكية ( حياة لاثاريو دي تورميس التي ألفها كاتب مجهول عام 1554م)، نظرا للظروف المتردية التي عاشتها إسبانيا على المستويات الاجتماعية( الفقر-البؤس-التفاوت الطبقي...)، والاقتصادية والسياسية والثقافية التي كانت إفرازا حقيقيا لأدب المهمشين والشطار ; والمنبوذين... ونظرا لأثرها الكبير في انبثاق الرواية الغربية البيكارسكية وتشكيلها صياغة ودلالة .


د- تأثر الرواية البيكارسكية بالأدب العربي القديم:


ولم يظهر الأدب البيكارسكي في إسبانيا إلا تأثرا بالفن الشعبي العربي بالأندلس، ولاسيما ظهور طبقة اجتماعية من الشطار العرب المسلمين المهمشين المشردين الذين آثروا حياة الصعلكة والبطالة والتمرد عن قوانين المجتمع والسلطة، وكانوا يعيشون على حافة المجتمع سواء بالأندلس أم في ربوع أخرى من العالم العربي الإسلامي التي انفتحت عليها إسبانيا . ويقضي هؤلاء الشطار(Picaros) حياتهم في التسول والارتحال والغناء وممارسة الكدية والاحتيال قصد الإيقاع بالآخرين من أجل الحصول على المال أو الحب أو لقمة العيش. وكان هؤلاء الصعاليك المحتالون المرحون يسمون في الثقافة الإسبانية بالمورو Moro . وتحضر صور هؤلاء كثيرا في الرواية الشطارية الإسبانية، إذ يقول أستاذي الدكتور محمد أنقار:" لم تكن الرواية الشطارية الإسبانية تتبلور، من حيث هي نوع سردي، بعيدا عن التيارات والأنواع الأدبية كالغنائية والمسرح الشعري والقصة الموريسكية، والقصة العاطفية أو الرعوية التي حفلت كلها بصور غزيرة للمسلمين والعرب والمغاربة خلال القرنين : السادس عشر والسابع عشر.


إلا أن مما يلفت النظر في الرواية الشطارية هو ضآلة صور المورو على الرغم من أن الظاهرة الموريسكية لم تكن قد تلاشت نهائيا خلال تلك الفترة. ويتعلق الأمر على الخصوص بالروايتين النموذجتين"لاثاريو" و" تاريخ حياة البوسكون""[14].


وتعتبر رواية لاثاريو دي تورميس" نموذجا شطاريا في إدانة المسلم وتصوير وضعيته الرديئة حتى لدى الأوساط الدنيا، لكي يعلم الناس أن المورو لايؤدب إلا بعقابه وتوبيخه وصده عن غيه"[15].


ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه كما يطرحه الأدب المقارن هو: هل تأثرت الرواية البيكارسكية الإسبانية بأدب المقامات؟


للإجابة عن هذا السؤال انقسم الباحثون إلى قسمين: فريق ينكر هذا التأثير وفريق آخر يؤكده ويثبته.


ومن بين المثبتين لهذا التأثير نذكر الدكاترة: محمد غنيمي هلال، وسهير القلماوي، وأحمد طه بدر، وعبد المنعم محمد جاسم، وعلي الراعي الذي يرى:" أن أثر المقامات، الذي يعترف به دارسون عرب وغربيون يأتي ذكرهم في غضون الكتاب شخصية المحتال، ربما كان أقوى أثر مفرد تركه العرب في الأدب الغربي، فعن طريق محتال المقامة قام الأدب الاحتيالي في إسبانيا وامتد من ثم إلى فرنسا وألمانيا وانجلترا، ليكون الأساس لصرح الرواية الواقعية التي أسهمت في خلقها أقلام كتاب مرموقين من أمثال: ديفو وفيلدينج وديكنز في انجلترا وليساج وبلزاك وفلوبير في فرنسا. بل لاتزال هذه الرواية الواقعية الاحتيالية موجودة بيننا في عملين محددين أولهما: فيليكس ترول، لتوماس مان الألماني، والثانية: مغامرات أوجي مارش للكاتب الأمريكي: صول بيليو"[16]


ولقد انتقل نموذج بطل المقامات العربية القديمة في العصور الوسطى(العصر العباسي) إلى " الآداب الأوربية – يقول غنيمي هلال- فأثر فيها بخلق نموذج أدبي آخر، تطورت به القصة الأوربية، بعد أن عرفت تلك الآداب المقامات العربية عن طريق الأدب العربي في إسبانيا.


وقد أثر نموذج بطل الحريري في الأدب العربي الأندلسي، ثم الأدب الإسباني بعامة، ثم تعاون هذا التأثير كله في خلق قصص الشطار الذي تعد قصة حياة لاثاريو دي تورميس نموذجا له"[17]


ويؤيد رأي الدارسين العرب باحثون إسبان هم أيضا ذهبوا إلى تأثر الرواية البيكارسكية بأدب المقامة العربية، ومن هؤلاء مؤلفا دائرة المعارف الوجيزة في الحضارة العربية حيث يقولان:" إن هذا النوع الأدبي( يعنيان المقامة) قد تسرب إلى الأدب الفارسي وغيره من آداب شرقية، ويبدو أنه قد أثر أيضا- إلى حد ما- على كتاب الرواية الأوائل في كل من إسبانيا وإيطاليا".[18]


وينفي الناقد الإسباني أنخل فلوريس التأثير المباشر للمقامات في البيكاريسك لانعدام الطابع الاوطبيوغرافي في مقامات الحريري باستثناء مقامة واحدة وهي( الحرامية) ، ولأن الترحال كان موجودا في الآداب القديمة: اليونانية والرومانية:" فإذا سلمنا جدلا بأن بطل المقامات يقوم في كل مقامة منفردة برحلة تورطه في شتى الملابسات مع أناس من مختلف الأوساط والطبقات الاجتماعية، فلا يجب أن ننسى أن هذا التراث القصصي الذي يمثل البطل المتجول والذي يبدو واضحا في رواية البيكاريسك الإسبانية هو في الواقع سابق لظهور هذه الرواية وسابق لانتقال أدب المقامات من الشرق العربي إلى المغرب وإلى الأندلس الإسلامية."[19]


ويجاري الدكتور عبد المنعم محمد جاسم مذهب المستعرب الإسباني أنجل فلوريس حينما قال:" والذي أريد أن أقوله في نهاية هذا المطاف حول إمكانية التأثير العربي في الرواية الإسبانية هو أن هذا التيار العميق الغور والبعيد المدى من القصص والنوادر والطرائف الشعبية العربية كان ذا أثر أبعد في التمهيد لظهور رواية البيكاريسك الإسبانية من المقامات التي وقف عندها الباحثون مرارا وتكرارا وحاولوا إعطاءها دورا لم تكن بطبيعتها مؤهلة له.


فالمقامات كانت تكتب للتداول في صفوف الضالعين والمتبحرين في علوم اللغة. وبما أنها كانت عسيرة اللغة وعسيرة الفهم وكثيرة المجاهل فإنها لم تترجم إلى اللغة اللاتينية أو اللغة الإسبانية.


وعلى كل حال فأنا لاأحاول في هذا البحث الاستدلال على أية فصول من الأدب الإسباني جاءت منقولة أو واضحة التأثر بأصول عربية، لكن القارئ قد يجد فيما عرضت إثباتا جديدا لوجهة نظر الكاتب والناقد أنخل فلوريس القائلة بأن الرواية بمظاهرها المختلفة قد ظهرت في إسبانيا قبل أي بلد آخر بسبب أثر الحساسية العربية في الآداب الإسبانية."[20]


ويذهب الدكتور محمد أنقار إلى ضرورة التريث في الحكم على مدى تأثير المقامة في البيكارسك الروائي حتى تتوفر الأدلة العلمية الدقيقة والحجج القاطعة، ولكن هذا لا يلغي إمكانية مقاربة البيكاريسك على ضوء السرد العربي القديم ومن خلال قواعد فن المقامة:" تلك صور نادرة للمورو في هذه الرواية( لاثاريو دي تورميس) التي لايعدم بعض النقاد الصلة بينها وبين الحكي العربي القديم على مستوى العلاقة بفن المقامة، أو ببعض النوادر وللحكايات: وإذا كانت مثل هذه الاحتمالات لاتزال في حاجة إلى تمحيص علمي مقنع، فإن ذلك لايلغي بتاتا إمكانية قراءة هذه الرواية الشطارية بموازاة مع أعراف السرد العربي القديم وأساليبه، مثلما هو الشأن في دراسة محمود طرشونة".[21]


وليس الهدف من إيراد هذه الأقوال المتضاربة هو إثبات أثر العرب على إسبانيا في إبداع الرواية البيكارسكية أو نفي ذلك التأثير؛ لأن كل هذا من اختصاص باحثي الأدب المقارن؛ ولكن المهم في رأيي أننا في حاجة إلى الاستفادة من هذه الرواية الشطارية الإسبانية مع استثمار الشكل القصصي العربي الأكثر فعالية-المقامة- واتخاذهما وسيلة لتمتين الأساس الواقعي للرواية العربية، و ذلك بتوسيع نطاقها ومدى رؤيتها، وموقفها من الناس، بحيث تحكي عن المنبوذين والمقهورين والخارجين عن المواضعات إلى جوار المطحونين والكادحين، وما أكثرهم اليوم في عالمنا العربي والإسلامي!


د- التخييل البيكارسكي في الأدب العربي الحديث :


في أدبنا العربي الحديث كثير من النصوص الروائية الشطارية ، وإن كان أغلبها في المغرب الأقصى؛ و ربما يعود ذلك لتأثر كتابها المباشر بالأدب الإسباني. وقد كتبت هذه النصوص من قبل محمد شكري ومحمد الهرادي والعربي باطما وبنسالم حميش ومحمد زفزاف...


هذا، ويصور محمد شكري في روايته ( الخبز الحافي)[22] معاناة شاب ريفي من شدة البؤس والظلم والفقر إبان احتلال المغرب من قبل الاستعمارين: الإسباني والفرنسي . لذا اختار التجوال والصعلكة والمغامرات الاحتيالية واللصوصية والعربدة الخمرية والجنسية بحثا عن لقمة خبز بدون مرق أو إدام. وقد أبدع شكري نصا بيكارسكيا آخر يكمل سيرته الأولى ألا وهو" الشطار"[23]. وهذه الرواية سيرة أوطوبيوغرافية بيكارسكية واقعية تنقل واقع المنبوذين والمهمشين الصعالكة بطريقة مباشرة وصريحة قوامها الصدق الفني والتلقائية والعفوية المطبوعة، وتستند في إيقاعها إلى تشويه الواقع وتعريته بكل وقاحة وفضاضة.


ويعتبر محمد شكري- حسب الدكتور علي الراعي- رائد الأدب الشطاري أو الرواية الواقعية الاحتيالية في أدبنا العربي الحديث، وذلك بروايته" الخبز الحافي" التي يقول عنها:" وفي أدبنا العربي الحديث ظهرت في السنوات الأخيرة سيرة ذاتية روائية بعنوان الخبز الحافي للكاتب المغربي محمد شكري. وهي تحكي المغامرات الاحتيالية واللصوصية والجنسية لشاب أمي في أدنى مراتب الفقر، ينتقل بين طنجة ومدن المغرب، بحثا عن لقمة الخبز الحاف. والسيرة تعود بالكتابة الروائية عندنا إلى النقطة التي كان ينبغي أن تبدأ منها الرواية العربية، مستندة إلى المقامات مطورة إياها إلى فن روائي عربي الأساس. ولعلها على المدى أن تقود إلى فن روائي عربي يكون أكثر صدقا وأحر طعما من كثير مما يكتب في حقل الرواية العربية، شريطة أن تتلخص من بعض ما يصطدم الشعور بلا مبرر فني، ويجعل السيرة في بعض أجزائها صراخ احتجاج طفولي ورغبة في تحطيم المواضعات لمجرد التحطيم.


ومن الطريف اللافت للنظر أن تظهر هذه السيرة الروائية في المغرب، البلد المجاور لإسبانيا، التي أخرجت رواية لازاريللو دي تورميس. وأن تتحرك في أرجائها شخصيات من إسبانيا، مابين شرطة ومحققين ومدنيين أوجدهم الحكم الإسباني وأوسع لهم"[24]


ويصرح محمد شكري في إحدى شهاداته الروائية أنه يكتب رواية بيكارسكية ذاتية:" حافزي على كتابتها( الخبز الحافي) بهذا الشكل هو أنني حاولت ضمن تجربتي حتى سن العشرين أن أسجل مرحلة زمنية عن جيل الصعاليك في عهد الاحتلالين: الإسباني والفرنسي. والدول التي كانت لها هيمنة لاتقل عن الاحتلالين المباشرين، خاصة في مدينة طنجة الدولية. إنها سيرة ذاتية- روائية- شطارية Novela-Autobiografia- Picaresca. إن الحياة التي عشتها، حتى تلك السن في عشيرة البؤساء والشطار، عن لا قصدية شخصية، كنت أستمدها عن قهر من كل ماهو لاأخلاقي. ومازال هذا النموذج الهجين من الطفولة المغربية يفرزه مجتمعنا المغربي حتى اليوم".[25] ويضيف محمد شكري قائلا:" إن الطفل المغربي من هذه الطبقة المهمشة يصبح رجلا في سلوكه وملامحه في السادسة أو السابعة من عمره.


لقد حاكمت نفسي وأسرتي والمجتمع في هذه السن، بقانون الشيطان الذي أوعاني باكرا معنى الاستغلال والقمع اللذين أيقظا في التمرد والحرية(...).


إن الأدب الشطاري ضد هذه الشيعية المضللة/الذين يكتبون سيرا ذاتية في شكل إنشاءات ديماغوجية/ خاصة السيرة الذاتية الشطارية التي هي وليدة طبقة شبه منفصلة الجذور عن أسرتها وأقاربها مما يجعلها أقدر من السيرة الذاتية التقليدية على كشف المباذل إذا أتيحت لكتابها الإمكانيات الضرورية".[26]


وقد تأثر محمد الهرادي في ( أحلام بقرة) برواية ( حياة لاثاريو دي تورميس)، إذ" يرد ذكر هذه القصة مرارا في صلب الرواية وكعنوان للفصل الثالث ( لازاريو في الجنة)، وفي الهوامش، مؤكدا على العلاقة الخاصة التي تجمع بينهما.


وإذا كانت الرحلة بمغامراتها ومفاجآتها في الرواية الشطارية أهم تيمة تتسلل إلى رواية الهرادي، فإن شخصية الأعمى المتسول تنم عن علاقة أمتن بين الروايتين. ومن المعلوم أن هذا الأعمى يقدم كشخصية خبيثة، عنيفة ومراوغة، في مشهد (ثورسالامانك) في رواية (حياة لازاريو) وفي فصل ( كلام الليل يمحوه النهار) في( أحلام بقرة)."[27]


أما عن عن البناء الروائي( لأحلام بقرة) " فلايتم تشييده عبر حشد أشكال سردية مختلفة يجيء فيها الشكل الشطاري بجوار الخيال العلمي مثلا، أوالشكل العبثين بجانب الشكل الشطاري، بل إن المعمار العام لهذا النص يتجاوز علاقة التجاور مؤسسا بين الأشكال السردية الصغرى،علاقة تفاعل تجعل هذه المردودية متميزة على مستوى الشكل والبناء في آن واحد".[28]


أما سيرة العربي باطما – فيلسوف فرقة ناس الغيوان الغنائية وشاعرها الزجلي- فهي رواية كيفما كانت التبريرات والمقاييس التي يقدمها المنكرون لذلك، ومهما تسلحوا بالقواعد الأجناسية والتخييلية. فالسيرة هنا رواية بكل مقاييس هذا الفن ومواصفات هذا الإبداع. وهذه السيرة- في رأيي- تندرج ضمن الأدب البيكارسكي على غرار سيرة محمد شكري بجزأيها( الخبز الحافي- الشطار). وثمة تشابه كبير بين شكري والعربي باطما على مستوى الإبداع الشطاري؛ إلا أن شكري كان وقحا في جرأته وصراحته الواقعية، بينما كان العربي باطما متأدبا في واقعيته مقتصدا في البوح والاعتراف الشعوري واللاشعوري.


وتتكون سيرة العربي باطما الشطارية من جزأين:


1- الأول بعنوان: الرحيل[29].


2- الثاني: الألم[30].


وتصور الروايتان معا( الرحيل والألم) حياة الفنان العربي باطما في صراعه مع ذاته وواقعه وألم السرطان. وهذه السيرة تقرير عن الواقع المغربي في مخلفاته السلبية وتفاوتاته الطبقية المدقعة، وإدانة للمجتمع الكائن ودعوة إلى الواقع الممكن. وهذه السيرة كذلك تسجيل أمين لحياة بعض مبدعينا وفنانينا الذين عاشوا على هامش المجتمع بين أنياب الفقر والطرد والصعلكة والحياة البوهيمية الشطارية ليفرضوا أنفسهم في الواقع بكل قوة على الرغم من أنفة السادة وكبريائهم المتغطرس.


وتعد رواية ( المرأة والوردة )[31] لمحمد زفزاف رواية شطارية تصور طالبا شابا بوهيميا ناقما على أساتذته، يقضي حياته في العبث والمجون والحشيش والجنس مستمتعا بلذات الغرب وأهوائه الشبقية . أما بنسالم حميش في روايته( محن الفتى زين شامة)[32] ، فيصور مجموعة من الفتن والإحن التي عاشها طالب شاب متناقض في سلوكياته في ظل أنظمة الاستبداد، وستدفعه فتوته وحبه لعشيقته إلى الثورة والانتقام من أعدائه الظالمين، ولو كان ذلك على مستوى الخيال و اللاوعي والحلم السريالي.


وهكذا استفاد محمد شكري ومحمد هرادي والعربي باطما وبنسالم حميش ومحمد زفزاف من البيكاريسك الإسباني، وبهذا عادوا بالرواية من حيث يشعرون أو لايشعرون إلى جذورها التراثية تجريبا وتأصيلا ورغبة في كتابة رواية واقعية انتقادية.


ملاحظة:


جميل حمداوي( عمرو)، ص.ب: 5021،الناظور،المغرب،Jamal Hamdoui



الهوامش:

1- أصدرها مؤلف مجهول سنة 1554م؛


[2] A Regarder : Diccionario encyclopedico Espasa 2,Espasa Calpe madrid,Espana,2 K/Z


3] - Juan Hurtado y J. De Laserna, y Angel Gonzalez Palencia : Historia de literatura Espanola, Madrid, 1949, pp : 352-351 ;


[4] - انظر محمد شكري: ( مفهومي للسيرة الذاتية الشطارية)، الرواية العربية واقع وآفاق، دار ابن رشد للطباعة والنشر، ط1، 1981، ص:322؛


[5] - د. محمد غنيمي هلال: الموقف الأدبي، ص:55؛


[6] - د. إسماعيل عثماني: ( الأدب الشطاري- تعريف جديد لأدب قديم)، آفاق،عدد مزدوج 61/62، السنة 1999صص:131-132؛


[7] - علي الراعي: شخصية المحتال في المقامة والحكاية والرواية والمسرحية، كتاب الهلال، العدد 412، أبريل 1985؛


[8] - Tarchouna (M) : Les marginaux dans les récits picaresques arabes et espagnols, publications de l’université de tunis, 1982 ;


[9] - د. إسماعيل العثماني: ( الأدب الشطاري – تعريف جديد لأدب قديم)، آفاق ،صص:131-132؛


[10] - د. محمد غنيمي هلال: الأدب المقارن، دار العودة، بيروت، لبنان، طبعة 1983، صص:313-314؛


[11] - محمد غنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، لبنان، ط1973، صص:505-506؛


[12] - نفسه، ص: 508؛


[13] - د. حميد لحماني: الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1985، ص:60؛


[14] - د. محمد أنقار: بناء الصورة في الرواية الاستعمارية، مكتبة الإدريسي، تطوان، ط1 ، 1994،ص:87؛


[15] - نفسه، ص: 87؛


[16] - د.علي الراعي: شخصية المحتال، العدد412، ابريل 1985، ص:9-8؛


[17] - د. غنيمي هلال: الموقف الأدبي، دار الثقافة، دار العودة، بيروت، لبنان، ط1977،ص:47؛


[18] - علي الراعي: نفسه، ص:65؛


[19] - د. عبد المنعم محمد جاسم:( ألف ليلة وليلة في الآداب الأوربية)، التراث الشعبي، العدد:3/4، السنة:10، 1979، ص:20؛


[20] - نفسه،ص:20؛


[21] - محمد أنقار: نفسه، ص:88؛


[22] - محمد شكري: الخبز الحافي، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ط1982؛


[23] - محمد شكري: الشطار، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط3، 1997م؛


[24] - د. علي الراعي: نفسه، ص:9؛


[25] - محمد شكري: نفسه، ص:321؛


[26] - نفسه، صص:322-323؛


[27] -أحمد اليابوري: دينامية النص الروائي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، ط 1، 1993، ص: 118-119؛


[28] - د.أحمد اليابوري: دينامية النص الروائي، ص:119؛


[29] - العربي باطما:الرحيل،منشورات الرابطة، الدار البيضاء، ط1 ، 1995؛


[30] - العربي باطما: الألم،دار توبقال للنشر، ط2، 1998؛


[31] - محمد زفزاف: المرأة والوردة، الشركة العربية للناشرين المتحدين،ط 2 ، 1981.


[32] - بنسالم حميش: محن الفتى زين شامة، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط1992.