/ ترجمة/
محمد القا ضي / ادريس الجبروني
ما هو عربي في أدب خورخي أمادو
- سيرخيو ماثياس
الاتحاد الاشتراكي/10/1986
ولد الكاتب "خورخي أمادو" في البرازيل سنة 1912، ويعتبر واحدا من كبار كتاب أمريكا اللاتينية إلى جانب "غبرييل غرثيا ماركيت" و"كارلوس فوينتس" و "ماريو فارغاس جوسا" و "خوليو كورتا ثار" و "خوان رولفو". تدور رواياته حول حدث في منطقة غنية بمناظرها وحياتها الشعبية. أسلوبه في الكتابة يدخل في إطار الواقعية، ولكن خياله المثمر جدا، يسمح لنا بأن نغوص في الدراما الإنسانية وفي ما هو شاعري، كما أنه لا يقف عند حدود الوصف التفصيلي لكل ما يحيط به، بل يدخل عناصر أدبية تعطي لعمله الأدبي طابعا أكثر سحرية، ومن دون شك يفوق كل ما هو دقيق، أو ما يمكن اعتباره فوتوغرافيا.
والأرض المفضلة عند "خورخي أمادو" لتطوير حكاياته هي منطقة باهيا BAHIA.
وفي إسبانيا رأينا الانتشار الواسع الذي لقيته روايته الأخيرة "غبرييلا، المسمار والقرفة" حيث أن ما هو عربي في هذه الرواية يصبح واضحا وملموسا جدا، من خلال شخصية الرواية "نجيب سعد" وهو سوري انتقل إلى البرازيل في سن مبكر. ومع ذلك في دوام الأحداث، لا يهجر نجيب عاداته العربية، وهو شيء واضح في هذا الكتاب. إنه عربي سوري منسجم ومتكيف، لكن جزء من قلبه معلق بأرض أجداده. وكما هو الشأن عند كتاب آخرين من أمريكا اللاتينية نرى أن أحداث الرواية تجري بقرية مثل قرية "كومالا" في أعمال "خوان رولفو" وقرية "ماكوندو" عند الكاتب الكولومبي "غبرييل غرثيا ماركيث" وهو مكان خلقه، بنفسه، ولكنه كثير الشبه بالواقع، وعند "خورخي أمادو" تجري أحداث الرواية في قرية "اليهيوس" وهي بلدة موجودة، غير أن الكاتب يغرقها بمهارته في مناخ سحري بكل روح الواقع. إن "اليهيوس" ميناء يوجد في "باهيا" وتكمن أهميته بالضبط فيما يصفه لنا الكاتب، أي تصديره مادة "الكاوكاو". ويوجد في هذه المنطقة شعور ديني قوي، وهي مسألة حاضرة كذلك في هذه الرواية.
عندما ننتهي من قراءة هذه الرواية نلاحظ أن الكاتب قد حملنا عبر سراديب من تاريخ البرازيل الممشوق، حيث استغلال النظام الزراعي والفوارق الطبقية تشكل إطارا دراماتيكيا مفزعا، ويمتزج الشعر بالواقع في هذه الرواية لكي يشكل حكاية قوية للمضمون الاجتماعي والاستيتيقي.
يلتقط الكاتب الفولكلور وكل ما هو شعبي ويمزجه بقصة حب وذلك بطريقة فكاهية بارعة، تبدأ الحكاية في اللحظة نفسها التي وقعت فيها جريمة لمدة من الزمن موضوع حديث وتعاليق أساسية عند سكان القرية. إن مسألة العرض والشرف لها حجم كبير بالنسبة لأهل القرية، ولكي يتم محوها لابد من الوصول إلى الجريمة، ولا يمكن لأحد أن يبقى ملطخا بالخدعة.
إن الكاتب يعكس ملاحظات حادة في سلوك وتصرفات شخصيات الرواية، بمعنى أن القارئ يعتبرهم ينتمون إلى الواقع. أما فيما يخص الموضوع الرئيسي، فإن المسألة تتعلق بقصة حب فضولية بين عربي وامرأة مولدة خلاسية.
إن الوصف الذي يقدمه الكاتب لشخصية الرواية، السوري الأصل، يناسب تماما ملامح رجل من الشرق الأوسط، وفيما يتعلق "بغبرييلا" فهي امرأة يخرجها نجيب سعد من البؤس بدافع الحاجة إليها، إنها امرأة جميلة جدا ونشيطة تغمرها العاطفة، وهي امرأة محافظة على عاداتها التي هي عادات تنتمي إلى منطقة داخل البلاد.
إن نجيب هو شخص محبوب لدى زبنائه. ويرى في أهل القرية شخصا.
يملك العربي نجيب حانة في القرية، وكان في حاجة إلى طباخة لكي يستطيع تلبية طلبات زبنائه، وخاصة أنه كان مقبلا على إعداد وليمة، الشيء الذي جعله يطوف المدينة كلها : الأسواق والأحياء حتى عثر على "غبرييلا" التي ستكون هذه المرة السبب في هيجان الرجال الذين يرتادون الحانة، فالكل يطلبها الشيء الذي دفع بالعربي إلى التعلق بها، مما نتج عنه غرام مليء بالسعادة والشقاء.
هذه الرواية تملك جاذبية تحتوي على سلسلة من العناصر التي تكون جزء من حياة القرية نفسها : المعجزات والخرافة، وما هو ديني، ومناخ حيث ندرك كذلك بطريقة جد ضعيفة مشكل الوحدة والعزلة. أما ما هو ديني فتذكر فلسطين ذلك المكان البعيد عن قرية ضائعة بأمريكا اللاتينية لتذكر أفضل عيد ميلاد المسيح : "المعلق، كما هو منتظر، يمثل ميلاد عيسى بفلسطين البعيدة. ولكن، آه، الأرض الشرقية القاحلة، تقريبا اليوم هي تفصيل وسط عالم متنوع حيث تمتزج فيه بطريقة ديمقراطية مشاهد وصور أكثر اختلافا وتعددا من فترات التاريخ، الذي يتسع من عام لآخر".
هناك لحظة في الكتاب يتم فيها أخيرا التعرف حقيقة على من هو نجيب، لأن المؤلف حتى تلك اللحظة، قدم عنه فقط وصفا خارجيا : "وفقط عندئذ عرف أم نجيب كان على دين محمد (صلعم)....".
خفيف الروح وطيب جدا، وأن كان ضعفه الحاد هو النساء. وهو نشيط وطموح ومفروم. كان يعجبه أن يكون محط اعتبار : "يا للشياطين ! في نهاية المطاف، لم يكن المسكين شقيا مثل أي كان، لقد كان السيد نجيب سعد، ذائع الصيت في البلدة، يملك أفضل حانة في القرية، له رصيد في البنك، وصديق لكل الناس المهمين، وأمين جمعية التجارة، حتى أن اسمه ذكر لإدارة "نادي التقدم".
إن كان حقيقة أن العربي يكافح ضد التقاليد المرعبة عند الناس الذين يحيطون به، فهو كذلك كان يسقط بعض المرات في نفس الشيء. هذا الكتاب له أهمية، زيادة على أنه يطرح معركة سياسية، وإطارا اجتماعيا محددا في سنة 1925، يطرح كذلك الوصولية، والفحولة والحب، وبعض المقومات الجنسية، وخاصة في الشكل الذي يكون عليه الرجل، وإن كان لا يتذكر اسم بلده فهو يحتفظ بتقاليد وعادات أجداده، وامرأة مولدة خلاسية، ناعمة ومثيرة، وجريئة، عانت من الآلام والفقر والأمل.
كما يقول "خورخي أمادو" إن الموضوع يتعلق ببرازيلي من بلاد العرب "مغامرات ومحن لبرازيلي طيب (ولد في سوريا) بقرية "اليهيوس" سنة 1925، حيث ازدهر الكاكاو وسيطر التقدم. بالحب والجرائم، والولائم والمحالف، إنها حكايات متعددة لكل الأذواق ...".