ما هو عربي في أدب روبين داريو
سيرخيو ماثياس
ترجمة/ ادريس الجبروني المصمودي / محمد القاضي
الاتحاد الاشتراكي/10/1986
إن ما هو عربي موضوع مهم في إبداعات هذا الشاعر النيكاراغوي الكبير.
ففي كتابه "صفحات من النثر الدنيوي" وقصائد أخرى جمعها في ديوانه "رواق" الصادر سنة 1882م، حيث يتجه خياله إلى ما هو شرقي، فيبتكر ويبدع حالات شعرية أسطورية، وعندئذ يمتلئ إلهامه بالمجوهرات. هناك غزارة في التعبير والخيال والموسيقى، مثل :
"طائر تائه خطاف مثالي
يطير وحيدا من الجزيرة العربية إلى تخوم منعزلة
ويرى عن برجه الفضي مرور ملك من الشرق فوق جمل".
ويستمر في وصفه ليحدثنا عن هذا الملك الذي يفتح أبواب الشرق لشيطان.
الشعر، "في ذلك الشرق حيث يستلهم في الموريسكيات الراقصات الغريبات حيث يتأمل أولا ويعجب.
لنقوش الحمراء الرائعة.
الراقصات النابضة لنوار القطيفة.
حيث تزيح المرأة العربية لثامها.
المفكرون والخلفاء الكبار.
بعيون سوداء ولحى فضية".
نلاحظ أن المصطلحات التي يستعملها الشاعر تتعلق بجزء مهم لما هو عربي وبالتحديد ما له علاقة بالموريسكيين.
إنه في هذا الجزء من القصيدة يركز ما هو عربي يعطي قوة ورقة حسية فيظهر في شكل واضح كي يبني بطريقة جمالية جوا غراميا محققا الهدف الذي يتبعه، حساسية هشة. إن الرقصات الناعمة التي تؤدي فوق زرابي عجيبة. بينما المرأة العربية تخلع اللثام عن وجهها.
يرى الشاعر في إسبانيا التأثير العربي، فينشدنا في نفس القصيدة لحظة خروج شيطان من أرضه السابقة ليصل إلى الأندلس الذي : "يحلم ويعيش في قصر الحمراء العربي / وتسكب العطور على شعرها" نلاحظ هنا بأن علاقته الشعرية التاريخية مرتبطة من إسبانيا الإسلامية ففي قصيدته "الفن" المهداة "لفيكتور هو جو" والتي تقدم فيها مراجعة للخلق والإبداع الثقافي في العالم، مستعيدا بذلك الحنين لما هو قديم : "يشير إلى اللانهائي
قممه العملاقة
إنها بالزمن منتصرات
أهرامات مصر
يوجد فيها فن كذلك
في تلك الحجارة الضخمة
كالقضبان الزاهية
كالفردوس الموريسكي الجميل
وتعيش روحها كلها
يوجد نفسها الرائع
في السقف البيزنطي".
يعبر الشاعر لنا هنا على أن الفن في هذه الأهرامات المصرية، ويجب كذلك أن نركز اهتمامنا في الجديد الرائع للفردوس الجميل الذي شيده العرب المغاربة، والتي سيتمكن من الوقوف عليها خلال رحلاته القصيرة إلى جنوب إسبانيا والمغرب. هناك جاذبية بارزة يحس بها المرء نحو هذه الأماكن النائية، كما كتب بمناسبة عيد ميلاد المسيح سنة 1914م.
"وأنا على حماري المسكين، أسير في اتجاه مصر،
وبدون نجمة قطبية، بعيدا جدا عن بيت لحم"
إنه لا ينظر إلى الشرق من خلال قراءاته فقط وإنما يحس كذلك بأنه مشدود إليه، وذلك من خلال ما يحكونه عن هذه الأراضي في المسامرات الأدبية مع الشاعرين" أنطونيو دي تاياس وثوريجا الخ...
هذا الإعجاب يكرره في "قوافي" سنة 1887م، عندما يغني :
"كعلبة الحلي من الشرق"
لكن أكثر تأكيدا عندما يعبر بأنه يشرفه أن يقدم أغنية جميلة جدا وناعمة "كعقد زبيدة الممتلئ باللؤلؤ الهر موزي والتي تفوح كالورد وتلمع كالندى في ورق الزهر للوردة الحديثة المولد".
كما نعلم أن زبيدة هي زوجة الخليفة هارون الرشيد، وقد تعرف الشاعر على اسمها في كتاب ألف ليلة وليلة أحد كتبه المفضلة، والرمز نسبة إلى الجزيرة الموجودة في مدخل الخليج العربي.
وبالتحديد فإن "أب الحداثة" كما وصفه عام 1899م" "انكريكي غوميث كاريجو" يحس بحماس كبير هو ماعة شرقي أوسطي، من هنا تأتي إشاراته إلى ما هو عربي مثل الأسطورة وتمجيد الرقي العربي في الحب، التي يتجلى فيها مفهوم الحتمية الذي سوف لن يغيب عن نظر الشاعر النيكاراغوي الكبير.
وفي قصيدة أخرى يهديها إلى "فينوس" يقول بأن روحه العاشقة تبدو له كملكة شرقية، أما في قصيدة "ليكونطي دي ليسلي" فإنه في منتهى الدقة، إذ يشير إلى ما هو عربي بل إلى ما هو هندي، لكن كل هذا الإحساس الذي يحسه اتجاه الشرق فيسحره، ولهذا يغني قائلا :
رؤى خرافية وروح شرقية"
هذا البيت الشعري يمكن أن ينطبق على روبين داريو نفسه، عندما يحس بأنه طرف من ألف ليلة وليلة، أو جزء من أسطورة عربية أخرى.
إذا إن كل من له رائحة أو مذاق أو لون من الشرق يجتذبه، كما يعبر عن ذلك في "صفحات من النثر الدنيوي" –في شرود- "كوردة الشرق تسحرني".
وفي قصيدة "رواق" التي رأيناها سابقا، فالشاعر بعد أن حدثنا عن مالقا وأشبيليا وعن الحلي ورقصات الفلامنكو فوق المنصات، وعن الساحة الأندلسية، يعود إلى الثقافة القديمة ليروي عن ملكة سبأ (ملكة اليمن وهي معروفة بقصتها مع النبي سليمان).
"في كنوز ملكة سبأ
تحفظ في سرية إشارات سماوية
أسهم من النار في جعبة تشابها السحري
لالي، وياقوت، والياقوت الأزرق، والأحجار الكريمة".
قبل أن ينهي القصيدة، يكرر روبين داريو ما هو عربي ليعطي بعدا أكبر لحكاياته :
"لها معبر كقصر من المرمر
تحتفظ بأبي الهول ومحياه المصري".
"تزين الجدران الفسيفساء والصور
قطع مذهبة من شمس مجزأة
قزحيات مضفرة في ألف توريقة
جواهر منقوشة بمهارة"
كذلك عندما يكتب "التناسخ" يقدم لنا وضعية تاريخية ملفوفة بالأسطورة عن الملكة الشهيرة والباهرة، ملكة مصر "كيلوباترة" إن الخيال كله والمشهد والبيئة والتراجيديا كل هذا عربي. وبالنسبة لهذه القصيدة وضع الشاعر شخصية جندي استطاع الوصول إلى سرير الملكة :
"أنا كنت الجندي الذي نام على سرير
الملكة كيلوباترة
بياضها، ونظرتها القادرة القوية
كان ذلك كل شيء
"روفو كالو" كنت جنديا ودما
ملكت "غاليا" وعجلة الإمبراطورية
منحوني دقيقة جريئة من نزوتها
كان ذلك كل شيء
لماذا تشنجت عضلاتها
أصابعي البرونزية لم تضغط
على جيد الملكة الأبيض هزلا
كان ذلك كل شيء
حملت إلى مصر مسلسل العنق
أكلت ذات يوم
من طرف الكلاب
اسمي، روفو كالو
كان ذلك كل شيء.
أمام هذا الإبداع الشاعري "لروبين داريو" يبرز هذا السؤال : هل كان الشاعر حقا يحس تمتعة لما هو عربي؟ أم أنه فقط مصدر يساعد شاعريته؟ مما سبق أن قرأنا يمكن الجزم بأنه كان حقيقية يتوفر على شدة الإعجاب والتقدير للثقافة والجمال والمعمار والأساطير العربية. لنأخذ كمثال على ذلك ما يذكره في كتابه : "رحلة إلى نيكاراغوا" وفيما يتعلق بامرأة وطنه المحبوب "المرأة النيكاراغوية ليس طابع محدد يميزها عن باقي نساء أمريكا الوسطى، ولها شيء خصوصي تتميز به، إنه نوع من الفتور العربي وإهمال الأوروبيين المهاجرين، وهو ما يوحد طبيعة أناقتها وخفة حركاتها عند المشي".
مما لا شك فيه أن هذه الكلمات التي تدل على الحنان والإعجاب لأن خاصية تلك النساء تكمن في تلك الهشاشة وفي تلك الليونة الاشتياقية التي تتحد مع رشاقة حركاتها. إن ما يجده الكاتب حقيقة في نساء بلده هو الإرث الإسباني الأندلسي، ولهذا فإن تلك الروح العربية تتجلى بها هاته الشخصيات وبما أنه شديد الملاحظة عندما يحدثنا عن مسقط رأسه عاطفيا الذي هو "ليون" يقول لنا : بأن لها مواصفات مدينة إسبانية "قراميد ثقيلة عربية تغطي السقوف" وفي قصيدة "الصفحة البيضاء" التي كتبها سنة 1896م يضع نفسه في مقام حقيقي أمام صفحة بدأت تمتلئ بالأحلام. إن الموضوع الرئيسي في بعض هذه القصائد هو الألم الذي بدأ يحسه في هذه الحياة، لمجرد أنه موجود، وفي بعضها الآخر المتعة، ولكنه أمامهما معا هناك قدر الموت. ولكي يحقق هنا قوة الشاعرية، وما هو تراجيدي، فإن روبين داريو" يستعمل كلمات لها مدلول أكثر دقة داخل البانوراما العربية.
هذا الرحالة الجوال الصبور لا يكل، وصل إلى التشيلي بحثا عن جودة أدبه حيث نشر هناك كتابه الشهير "أزرق" كما رحل إلى جمهورية السلفادور والأرجنتين وغواتيمالا، وباناما والمكسيك وكوبا، والبرازيل وكولومبيا، وكوستاريكا، والبيرو، والأرغواي والولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وبلجيكا وانجلترا وألمانيا والنمسا، وهنغاريا والبرتغال والمغرب الذي تأثر به كثيرا كما يحكي لنا في كتابه "الأراضي المشمشة
عن مجلة/
CALAMO : 10-1986