sábado, 12 de mayo de 2007

DRISS JEBROUNI MESMOUDI /EL COMPROMISO HISTORICO y La Transicion Democratica al Socialismo / التراضي التاريخ..ادريس الجبروني المصمودي/

بقلم ادريس الجبروني المصمودي

جريدة البلاغ/ 10 /09/ /1983/

التراضي التاريخي

وعوائق الانتقال الديمقراطي إلى الاشتراكية

بعد الانقلاب العسكري الدامي الذي أطاح بحكومة "الوحدة الشعبية" بالشيلي. وفي مواجهة هشاشة الحياة السياسية الإيطالية، كتب الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي "إنريكوبيرلينغوير" سلسلة مقالات طرح فيها سياسة الوفاق التاريخي كوسيلة للخروج من الأزمة التي يعاني منها المجتمع الإيطالي. وبعد الإشارة إلى الاختلافات الاجتماعية الموجودة بين التشكيلة الاجتماعية الإيطالية والشيلية. أكد على التشابه الأساسي بين الحزبين الشيوعي والاشتراكي بالشيلي في نهج الطريق الديمقراطي للانتقال إلى الاشتراكية.

يمكن تحديد التوجهات التالية في أطروحة التراضي التاريخي : هناك رغبة أكيدة لدى الحزب الشيوعي الإيطالي في تحمل المسؤولية الوطنية، وحمل كل تاريخ إيطاليا، وهذه الرغبة ترجمها الحزب الشيوعي في النداء الذي وجهه لكل القوات التاريخية (الكاثوليكية والاشتراكية ...) التي تكون المجتمع الإيطالي والذي أعطى إصرارا لهذا النداء هي وحدة النضال خلال مقاومة الفاشية. وثمرة هذه الإستراتيجية هو الاقتراح الذي قدمه الحزب الشيوعي الإيطالي لحزب الديمقراطية المسيحية للوصول إلى وفاق تاريخي للدخول في مرحلة جديدة من الثورة الديمقراطية، والتي حسب الحزب الشيوعي الإيطالي توقفت سنة 1947 بسبب الحرب الباردة. وكما شرح "بيرلينغوير" في مقالاته عند إطلاقه لهذه المبادرة، إن الهدف الأساسي من وراء التراضي التاريخي هو الحصول على الموافقة من أجل التغيير الاشتراكي للمجتمع، مع تجنب تقسيم البلاد إلى قسمين معاديين ومتواجهين. وحسب "بيرلينغوير" فإن الضرورة تقتضي تجنب هذه المواجهة والحصول على رضي وموافقة أغلبية كبيرة من السكان لكي لا تتكرر التجربة المأساوية التي عرفتها الشيلي وبلدان أخرى سبقتها(1). من الواضح أن الحزب الشيوعي الإيطالي يهدف إلى تحطيم حاجز معاداة الشيوعية الذي أقامته الكنيسة وحزب الديمقراطية المسيحية منذ ثلاثين سنة. والاقتراب إلى القوات اليسارية للجماهير الكاثوليكية المنظمة والواقعة تحت تأثير الحزب الديمقراطي المسيحي. كما يهدف إلى أن تغلب – كما يقول "طوغلياطي" – الروح الشعبية للديمقراطية المسيحية على روحها الرجعية، وهكذا يتم تغيير علاقات القوة لصالح ذلك التراضي الكبير الذي سيعطي تقدما سلميا وديمقراطيا نحو الانتقال إلى الاشتراكية. إن الطريق الديمقراطي نحو الاشتراكية لا يعني أنه طريقا سلميا وسهلا، وليس طريقا برلمانيا فحسب، لا يدافع عن حكومة جديدة وأغلبية جديدة، بل إن التغيير الذي يتطلبه المجتمع الإيطالي يحتاج إلى القوة التي يتم التعبير عنها بنضالية الجماهير. وفي نفس الوقت بالتراضي، أي بمساهمة أغلبية الشعب، أما مسألة التحالفات فهي عنصر أساسي وحاسم في هذه السياسة، يقول "بيرلينغويز" ليوضح ذلك أكثر على المستوى النظري، "في الميدان السياسي هناك مشكل كبير يشغل بالنا، ويجب أن يهم أكثر على المستوى النظري كل الماركسيين والدارسين المتقدمين في إيطاليا وفي كل الدول الغربية، وهو كيف يمكن تطبيق برنامج لإحداث تغيير اجتماعي عميق – وهو بالضرورة ستنتج عنه ردود فعل عنيفة من طرف المجموعات الرجعية – دون أن يدفع ببعض الشرائح الاجتماعية إلى مواقف عدوانية، بل يجب أن يحظى في جميع مراحله على رضي وموافقة الأغلبية من السكان"(2) : البديل الديمقراطي بدل البديل اليساري وتعاون كل القوات الديمقراطية ونداء المسؤولية الوطنية للديمقراطية المسيحية. إن نوع الاشتراكية التي ستنتج عن هذه الصيرورة هي اشتراكية تعددية وديمقراطية والوصول إليها لن يتم عبر عمل تآمري من طرف أقلية، وإنما ستتحقق بمشاركة اختيارات واتجاهات سياسية مختلفة التي ستشكل الأغلبية الجديدة.

إذا كانت هذه هي العناصر التي يستند عليها التراضي التاريخي، فيجب أن نتساءل عن النتائج العملية التي أدت إليها هذه السياسة، خاصة إذا رجعنا إلى نتائج الانتخابات العامة بإيطاليا منذ سنة 1976 إلى الآن، في انتخابات يونيو 1976 حصل الحزب الشيوعي على تقدم ملموس، وإن كان حزب الديمقراطية المسيحية قد حصل على الأغلبية فقد وجد نفسه أمام صعوبة تشكيل حكومة، ولكن الحزب الشيوعي كان واعيا بالمشاكل التي كانت تمر بها إيطاليا، وانسجاما مع خطه السياسي اتخذ موقف الامتناع، وسمح "لأندريوتي" بتشكيل حكومة ذات لون واحد (الديمقراطية المسيحية). إنها إرادة للدفع إلى الأمام بسياسة التراضي التاريخي، هذه النية الحسنة من طرف الحزب الشيوعي الإيطالي لم يقابلها بالمثل الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي لم يأخذ بعين الاعتبار اقتراحات الفريق الشيوعي بالبرلمان، في الوقت الذي يوجد فيه المجتمع الإيطالي غارقا في أزمة اقتصادية واجتماعية. أمام هذه الوضعية اضطر الحزب الشيوعي الإيطالي إلى سحب تأييده للحكومة الديمقراطية المسيحية، الشيء الذي أدى إلى حل البرلمان والإعلان عن انتخابات جديدة، في تلك الانتخابات عرف الحزب الشيوعي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تقلصا في عدد أصواته بنسبة 4% في المائة وفقد آنذاك 26 مقعدا، وبقي الحزب الديمقراطي أول حزب في البلاد. وآنذاك بدأت الأزمة داخل الحزب الشيوعي بامتناع "بييطرو إنغراو" (عضو اللجنة المركزية) تقلد منصب رئاسة البرلمان. كما أن الانتقادات الموجهة لخط الحزب بدأت تتخذ طابعا حادا داخل القاعدة الحزبية واللجنة المركزية نفسها.

إذا كان الصدق والحوار يجب أن يطبع اليسار، في مواجهة دغمائية وكذب اليمين. فسيكون من اللائق الاعتراف بأن هناك شيئا لا يسير سيرا حسنا في سياسة الحزب الشيوعي الإيطالي. وكما قال : "جانكارلو باجيطا" في اجتماع اللجنة المركزية : "كفى من التصفيق لأنفسنا بأنفسنا" ومن الضروري أن نقوم بمجهود نقدي والاعتراف بأخطائنا. ومراجعة خطنا السياسي"(3).

إن التحول الذي عرفه المجتمع الإيطالي وبروز حركات اجتماعية جديدة يفرض على الحزب الشيوعي الإيطالي أن يضع استرتيجة جديدة أكثر تفتحا على هذه الحركات التي يجب أن تتمتع باستقلالية فعلية. إن الأزمة التي يعاني منها الشباب تحتاج إلى أجوبة ملموسة ومحددة من طرف الحزب الشيوعي الإيطالي لكي يتجنب الحلول السهلة والنهلستية. وهذا يتطلب تغيير الهياكل الداخلية، في اتجاه ترسيخ الديمقراطية المركزية، ثم إن سياسة التقشف لم تكن لها استجابة داخل صفوف الطبقة العاملة التي استقبلتها بسخط محقق، لأن الأزمة الاقتصادية لا يمكن أن تتحمل أعباءها الطبقات الضعيفة وحدها في الوقت الذي تمارس فيه الطبقة البورجوازية النهب والاستغلال واللامسؤولية. وعلى مستوى التحالفات من أجل وحدة القوات الديمقراطية، لا بد من طرح مسألة وحدة اليسار الإيطالي، كشرط أساسي لإقامة الحوار مع القوات الديمقراطية الكاثوليكية، وبدون هذا الشرط فإن هذا الحوار المزعوم مع القوات التقدمية سيكون عبارة عن لعب بالكلمات. ومن الصعوبات التي يجدها الحزب الشيوعي الإيطالي عند تحليله الأزمة التي أصبح يعيش فيها، هي الاعتراف بالتناقض الحاصل في تأييده للسياسة الرسمية للحكومة مع تطويره في نفس الوقت نشاطه كحزب في المعارضة، "لا يمكن أن يكون في نفس الوقت حزبا للحكومة وحزبا للنضال"(4). إن عقدة العمق في الوفاق التاريخي هي تفسيره للأزمة الإيطالية بأنها أزمة "التأخر التاريخي" ولتجاوز هذه الأزمة لابد من قاعدة الوفاق التاريخي بين الطبقة العاملة والبورجوازية المنتجة الحديثة، "إن فرضية التراضى التاريخي دخلت في أزمة، لأن مشاكل الأزمة الإيطالية ليست مشاكل بلد متخلف، بل هي مشاكل رأسمالية ناضجة ..."(5)، ولهذا لابد من العمل على بناء كتلة اجتماعية جديدة، ولابد من إقامة تحالف مع فئات المهمشين في المجتمع، وبديهي أن هؤلاء المهمشين ليس لهم تجانس مع الطبقة العاملة، يكونون ثقافات مختلفة وعلاقاتهم بالإنتاج مختلفة ينتج عنها سلوك سياسيي مختلف.

إن عدم الاستقرار الذي تعرفه إيطاليا راجع لضعف الحكومات المتعاقبة التي ترأستها الديمقراطية المسيحية، لم تكن غير تشكيلات مؤقتة، ذلك يعني استمرار الأزمة الاقتصادية والبطالة والإرهاب والعنف السياسي، ورفض "زاكانيني "ترشيح نفسه لزعامة الحزب الديمقراطي المسيحي في مؤتمره الأخير، وضع الخط السياسي للحزب الشيوعي الإيطالي أمام وضعية صعبة ذلك أن "زاكانيني" ينتمي إلى التقليد التاريخي "لألدومورو" في حواره وتفاهمه مع الحزب الشيوعي. وهو موقف تمثله الأقلية داخل الحزب الديمقراطي المسيحي.

مرة أخرى ومن جديد يجد الحزب الشيوعي الإيطالي نفسه في وسط مفترق الطرق أمام عوائق في محاولات الانتقال الديمقراطي للاشتراكية، "كيف يمكن بدأ تغيير جذري للدولة مع توسيع وتعميق المؤسسات الديمقراطية التمثيلية والحريات، (التي هي مكسب من المكاسب الشعبية) مع التراجع عن أشكال الديمقراطية المباشرة القاعدية. وشبكة بؤر التسيير الذاتي : وهنا يوجد المشكل الجوهري للنهج الديمقراطي نحو الاشتراكية و لاشتراكية ديمقراطية"(6). لقد أصبح مطروحا على الحزب الشيوعي الإيطالي بعد عقد من سياسة التراضي التاريخي أن يبحث عن أشكال أخرى للانتقال إلى اشتراكية في الديمقراطية والحرية، والتاريخ لم يعط لنا نموذجا كاملا للانتقال، بل قدم لنا نماذج لمجتمعات بعيدة عن مشروع تحرير الإنسان.

المراجع بالإسبانية

1)-بيرلينغوير (انريكو) "الوفاق التاريخي" – دار النشر غريخالبو (مدريد).

2)-هذه المقالات نشرت في كتاب : "تأملات حول إيطاليا" بعد حوادث الشيلي – (دار النشر غريخالبو) (مدريد).

3)-أرغومينطوس عدد –29-.

4)-ف. كلاودين : أورو شيوعية والاشتراكية" (دار النشر سيغلوxx).

5)-كيف نسير إلى السلطة – استجواب مع ل. كاستيلينا مجلة "بيخو طوبو" عدد57 ViejoTopo (مدريد).

6)-نيكو بولانتزاس – الدولة والسلطة والاشتراكية ص.313-314، دار النشر