martes, 13 de abril de 2010

بؤس الثقافة...وفلسفة البؤس لدى وزير يسكن الذاكرة المثقوبة..!

بؤس الثقافة...وفلسفة البؤس

لدى وزير يسكن الذاكرة المثقوبة..!

بقلم: خالد الريسوني

أحد مظاهر بؤس ثقافتنا أننا لا نلتفت عادة إلى صانعيها وإلى الفاعلين في حقلها، وعندما نحاول أن نقوم بذلك يأتي اعترافنا متأخرا ومتصنعا، بل وخارج السياق، مثلا في بلادنا نكرم كاتبا أو شاعرا بطريقة باهتة وبكثير من البهرجة، بعد أن يكون قد نال اعترافا دوليا عن عمله الدؤوب وجهده الكبير والمتواصل، بل إننا لا نتوانى في التقليل من شأن كاتب أوشاعر أو مفكر لكي نلفت النظر إلى ذواتنا المريضة والمتهالكة؛ مظهر آخر من مظاهر بؤس ثقافتنا أننا نغالي في النفاق وفي إبراز مظاهر الاحتفاء بالإخوانيات وبالزبونية اللتين تكونان غير منصفتين وفي غير محلهما، نتمسح بذوي القربى وبالصداقة حيث لاينبغي أن تتدخل الصداقة لكي ننال شيئا تافها ليس من حقنا...والأفظع من كل هذا هو أننا نهرول دائما نحو أولياء النعمة لمباركة زلاتهم دون تبصر، فنسقط من حسابنا الصراحة والمكاشفة والمحاسبة والإنصاف والاعتراف بالخطإ، وممارسة النقد والنقد الذاتي، ويصير المسؤول عندنا عن عملية الإنصاف والاعتراف بما هو حق وواجب هو نفسه الذي يقوم بخرق مبدإ الإنصاف والموضوعية في الحكم...أحد مظاهر بؤس ثقافتنا المغربية انعدام كل أسباب تحفيز الفاعلين في حقلنا الثقافي المتعب على الاستمرار في عملهم باعتباره جزءا من هذا الأفق المفتوح الذي يساهم في التنمية البشرية لبلادنا، تأملوا هذا المشهد السوريالي: وزارة الثقافة المغربية تصدر مجلتين، عدد من كل مجلة خلال سنة بكاملها ـ وما أطول السنة ـ: مجلة تهتم بالثقافة والإبداع المعاصرين، وأخرى تهتم بالتراث، وزير الثقافة الحالي عندنا في مشروعه الطموح لاستئصال الثقافة والمساهمة في عولمتها يريد أن يلغي إصدار المجلتين في طبعتيهما الورقيتين، ويقترح أن يحولهما إلى إصدار إلكتروني على الإنترنيت، وربما سيتخلى أيضا عن تعويض الكتاب الذين يساهمون في المجلتين، لأن الثقافة في بلادي هي الشيء الوحيد الذي لايساوي فلسا واحدا، وبالتالي ينبغي لمنتجه ألا يتقاضى عنه أي تعويض، فهل يا ترى يعمل السيد الوزير في حكومة بلادي دون أن يتقاضى أجرا حتى يكون مرجعا حيا ومثالا يحتذى في العمل التطوعي الخلاق وفي العمل المجاني البناء، وعلى العموم فهذا الموقف الراغب في إعدام ومصادرة المجلتين في طبعتيهما الورقيتين يذكرني بمحرقات الكتب المترسخة في تاريخ ثقافتنا العربية، لأني أكاد أشم رائحة الأوراق المحترقة.

ومن جهة أخرى لا يستغرب المرء حين يعلم أن في المغرب جائزة واحدة تمنحها الدولة سنويا في فروع خمسة هي: مجال السرد ومجال الشعر ومجال الدراسة الأدبية الفنية ومجال الدراسة الإنسانية ومجال الترجمة، اسمها جائزة المغرب، السيد وزير الثقافة صرح بأنه يريد أن يقوم بإصلاح لهذا الوضع المختل، لأنه يرى أننا لا نحتاج إلى جائزة سنوية، بل لجائزة كل سنتين، ولربما نحن نحتاج إلى جائزة كل عشر سنوات يا سيدي الوزير، ويجب أن تشكل أنت لجان التحكيم على مقاسك، وأن ينال الجائزة من تختاره أنت، ولا بأس أن يكون أعضاء لجنة التحكيم آليين تسيرهم بجهاز تحكم عن بعد، وعلى العموم مادمت سيدي الوزير لن تنال أنت الجائزة، فليس من أحد يستحقها، السيد الوزير العلامة الفهامة، فريد عصره وكوكب زمانه، الذي وضع صورته على ملصق معرض الدارالبيضاء للكتاب في دورته الأخيرة، أقصد صورة العلامة ابن خلدون، تصوروا وزير الثقافة يملي على الفنان تصميم الملصق، ما ينبغي أن يوضع عليه لكي يكون معبرا عن هذه الذات المتضخمة والمشروخة والطافحة بالرؤى الإبداعية الخارقة التي لا يمكن أن تكبح، سيقول للفنان: أنت يدي التي سأرسم بها ملصقي أنا: ملصق العلامة، أقصد ملصق معرض الدارالبيضاء للكتاب. وهؤلاء الرعاع، هؤلاء الأوباش الذين يأتون من الأقاليم والنواحي البعيدة، فليتكبدوا فداحة مجيئهم وممارستهم لشغب السؤال، فوزير ثقافتنا لن يؤدي عنهم تذكرة القطار ولا مصاريف الإقامة ولا القليل من مشترياتهم من الكتب الفائضة عن الحاجة غالبا في ظل هذا الوضع المأزوم، بل لن يؤدي عنهم حتى تذكرة الدخول إلى فضاء المعرض، من أراد أن يقرأ ويكتب يجب أن يكون من فصيلة الوزراء، ـ نسيت الوزراء لايقرأون، الوقت لايسعفهم لممارسة القراءة ـ وإذن فليقتطع الكاتب والباحث مصاريف شراء الكتب من جلده، حتى يحس بمتعة القراءة، فلا متعة بدون معاناة، ومعاناة الجيب أجمل وأقسى، حين تكون راغبا بشراء كتاب وتكون عاجزا لأن الجيوب فارغة، ومصاريف الأسرة لاترحم. السيد الوزير صرح بأن الوزارة ينبغي أن تكف عن إصدار الكتب ونشرها لأن هذه المهمة ينبغي أن يقوم بها أصحاب دور النشر بدعم من وزارة الثقافة أو بدون دعم لأن الوزارة لعلم السيد الوزير لم تقدم الدعم لدور النشر منذ أزيد من ثلاث سنوات، لا يهم فدور النشر هي التي ينبغي أن تنشر الكتاب ولا أحد غيرها، هذا الكلام جميل يمكن أن يصدر عن أي كاتب أو شاعر لايعيش في بلادنا، أما أن يصدر عن وزير ثقافتنا بنسالم حميش، وهو الكاتب والروائي والفيلسوف، فهذا يعني أحد احتمالات ثلاث: الاحتمال الأول: هو أن يكون السيد الوزير من كوكب آخر غير هذا الكوكب الذي تطأه أقدامنا أو أن قدميه لا تطآن أرض الواقع، الاحتمال الثاني: هو أن يكون من وراء هذا الكلام صفقة ما، لا يعلمها إلا الوزير وزبانيته، أما الاحتمال الثالث: وهو المرجح عندي وهو أن يكون الوزير راغبا في إقبار تجربة سابقة عليه، والتخلص منها بأقصى سرعة لأنها تنسب لغيره وتسبب له إحراجا ونوعا من الإحباط الذاتي، لكونها رائدة ولا يستطيع أن يأتي بمثلها، تأملوا معي تجربة الكتاب الأول والأعمال الكاملة... وغيرها، هذه هي المشاريع الكبرى التي يراهن عليها المغرب الحداثي، ليتأمل السيد الوزير مُنْجَزَ د. جابر عصفور ـ وهو مثله الأعلى فيما يبدو ـ على رأس المجلس الأعلى للثقافة ثم على رأس المركز القومي للترجمة فيما بعد. حين تفتقت مخيلة علامتنا على فكرة أراد أن يخلد بها مساره في الاستوزار لم تكن مشاريع لدعم القراءة، قراءة الكتاب والاحتفاء بكُتابٍ من زماننا في مختلف جهات البلاد، بتنسيق مع الجمعيات الثقافية وفروع اتحاد كتاب المغرب ومؤسسات المجتمع المدني بحضور مؤلفيها لكي يحقق الكتاب ومؤلفه تواصلها مع القراء، وخصوصا مع الأطفال واليافعين، بل فكر في الحفظ، وفي شحن الذاكرة بالموروث القديم، قال العلامة: أعطه مائة دينار وليكن أولبياد الحفظ مسكنا لذاكرتي المثقوبة، هكذا يكرس السيد الوزير العلامة تصوره السلفي التراثي للثقافة باعتبارها إعادة إنتاج دائم ومكرر للسالف والبائد، كل هذا يتم في إطار فهم محدد من طرف السيد الوزير للحداثة، لقد نسي السيد الوزير تجربة استضافته بمدينتي شريش ومرتيل من طرف مؤسسة كباييرو بونالد وجمعية تنمية وتضامن والمركز الثقافي الأندلس، وهي التجربة التي منحته فرصة التحاور مع قراء أحد أعماله المترجمة إلى الإسبانية، وعوضته ماديا عن لقائه بالقراء بشكل جد محترم، ووفرت له إقامة جد محترمة ، وتكلفت بنقله من المغرب إلى إسبانيا ذهابا وإيابا، وجعلته يلتقي جمعا هاما من الذين قرأوا بشكل منظم عملا من أعماله، السيد الوزير ربما ليس على علم بأن هذه المؤسسات في تنظيمها لهذا اللقاء ولغيره من اللقاءات مع الكتاب ضمن برنامجها السنوي المشترك تتلقى الدعم من وزارة الثقافة الإسبانية ومن حكومة الأندلس، وذلك للتعريف بالكتاب الإسبان وغير الإسبان ولدعم القراءة. وأعود إلى مربط الفرس وهو أن السيد الوزير وهو يحاول أن يجعل وزارته تتملص من مسؤوليتها في نشر الكتاب المغربي المتميز، ينسى شيئا أساسيا، وهو أنه وهو الكاتب المبرز لم ينشر كتابا واحدا من كتبه لدى ناشر مغربي، وحينما قام بذلك في مرات قليلة جدا لم يتقاض عنه فلسا واحدا، يا لعقم الكتابة...وأغلب الكتاب المغاربة الذين نشروا كتبهم لدى إحدى دور النشر المغربية التي نالت الدعم من الوزارة أو لم تنله ـ مادامت وزارة الثقافة عقيما ولم تعد تدعم لا الكتاب ولا القراءة ولا الكاتب في هذه السنوات العجاف ـ، إما أنهم لم يتقاضوا درهما واحدا من حقوقهم في التأليف، أو بالإضافة إلى دعم الوزارة قدموا للناشر مبالغ إضافية اقتطعوها من جلدهم لمساعدته على نشر الكتاب، فعن أي دور نشر في عالمنا الثقافي الموبوء يتحدث السيد الوزير...

ولكي أختم هذا الحديث أعود لجائزة المغرب للكتاب التي يرغب بنسالم حميش أن يجعلها تنظم كل سنتين عوض أن تكون سنوية، لربما هذه الجائزة هي الوحيدة التي تنظمها الدولة المغربية لمكافأة الكتاب والشعراء والباحثين والمترجمين، بل ربما إذا استثنينا جائزة أطلس الفرنكفونية للترجمة، وجائزتا بيت الشعر للديوان الأول و اتحاد كتاب المغرب، وجوائز منتدى أصيلة الثلاث: جائزة بلند الحيدري وجائزة تشيكايا أوطامسي للشعر وجائزة محمد زفزاف للرواية وهي جوائز زهيدة من حيث عائدها المالي والمعنوي، فإن جائزة المغرب التي يتنافس عليها جميع المغاربة في مختلف مجالات المعرفة والإبداع الأدبي تعتبر هي الأخرى ضئيلة القيمة مقارنة بمثيلاتها في الدول العربية، أو مقارنة ببعض الجوائز العربية مثل جائزة سلطان العويس وجائزة الشيخ زايد وغيرها، ناهيك عن الجوائز العالمية، ومن تقتير السيد الوزير وبخله على إخوته من الكتاب ارتأى أن يكون موعد الجائزة كل سنتين، وعمل هذه السنة بنفسه وبمعرفته على تشكيل لجان التحكيم، فكانت المفاجأة أن تم حجب جائزتين، جائزة الشعر وجائزة الترجمة، بل إن الوزير أراد أن يملي بتدخل صارخ منه في شؤون إحدى اللجان أن تسحب الجائزة من مستحقها ضدا على إرادة أعضاء اللجنة، وضدا على قانون الجائزة... وزير ثقافتنا كان حاتمي الكرم والضيافة مع أصدقائه الذين استقدمهم من مختلف البلدان العربية وغير العربية، مثلما كان بخيلا ومقترا على ثقافتنا المغربية المنتكسة بمجيئه على رأس الوزارة، مبخسا لجهد الكتاب والشعراء والمفكرين والمترجمين ولعملهم.

ومادمت معنيا بأمر حجب جائزة المغرب للترجمة باعتباري قد رشحت ثلاثة أعمال ترجمتها عن اللغة الإسبانية لنيل هذه الجائزة وهي: لالوثانا الأندلسية لفرانسيسكو ديليكادو (رواية إسبانية من القرن الخامس عشر)، زوايا اختلاف المنظر ويليه كتاب الطير والسكون المنفلت لكلارا خانيس (ثلاثة دواوين شعرية في كتاب)، واليوم ضباب لخوسيه رامون ريبول (ثلاثية شعرية) ـ وهذا ما لن أكرره ثانية ـ وكأني قد سقطت من سماء أخرى غير هذه التي ترسل علينا كل يوم طوفانها الآثم وجحيمها الحارق، تصوروا أن أعمالي أبعدت من التنافس لسبب تقني وهو أن اللجنة كانت مشكلة من نخبة فرنكفونية لم تتداول إلا في شأن الأعمال المترجمة عن الفرنسية، لأنها عاجزة عن إصدار حكم على أعمال ترجمت عن اللغة الإسبانية بسبب عائق المعرفة باللغة الأصل، وعوض أن تطلب خبرة خارجية، أبعدت أعمالي لسبب تقني، أي ارتجال وأي عبث هذا سيدي الوزير، تشكل لجنة تحكيم عرجاء بلغة واحدة في مجال الترجمة وفي مغرب يدعي الانتماء للحداثة، وأنت الذي تتبجح في لقاءاتك الصحفية بنرجسية عميقة بمعرفتك للغات: للفرنسية والإسبانية والإنجليزية واليونانية والألمانية، تشكل لجنة للحكم على أعمال الآخرين في الترجمة فتختار الجميع من النادي الفرنكفوني تماهيا مع انتمائك الحقيقي، وتطوي كل ما فاخرت به من تعدد لغوي، أين نحن من التعدد اللغوي البابلي؟ كان لزاما عليك أن تعلن من البداية أن جائزة المغرب للترجمة هي من الفرنسية وإليها، وتضيف الجائزة في خانة الفرنكفونية لتكون جائزة أطلس ثانية، وكنت ستكفينا شر التورط في الترشح وبعث ثمان نسخ عن كل عمل من الأعمال الثلاثة مع أصولها، ومصاريف بعثها بالبريد المضمون، وشر الانتظار والنبش عليك، وشر هذا الجدال وهذا النزال؛ تاريخ هذه الجائزة بئيس وفضائحي لأنها كانت دائما تخضع لأوامر الهاتف وللزبونية ولا علاقة لها بالاستحقاق الذي ينبني على تقييم الأعمال المقدمة على طاولة التنافس الشريف، تصوروا أن هذه الجائزة تمنح أحيانا لشخص بقي في لائحة الانتظار من سنوات فارطة، أو قد تمنح لشخص وليُهُ له اليد الطولى على الوزير وأسباب نعمته، أو لشخص له سطوته وحظوته لدى أصحاب الحل والعقد، أو هو من الجماعة الحزبية الآمرة الناهية، فنحن نعرف أن الجائزة منحت سابقا لشخص من عالم الفلسفة عن ترجمته لكتاب كان قد ترجم ترجمة رائعة لمترجم آخر طبقت شهرته الآفاق قبل عشر سنوات، نشرها في سلسلة عالم المعرفة بالكويت في طبعة بآلاف النسخ، وزعت شرقا وغربا، ووصلت إلى كل بقاع هذه البلاد العربية الجارحة بتخلفها، ربما أن السيد الفائز بالجائزة حينها كان على لائحة الانتظار، فوصله الدور متأخرا، أو لربما كان في ورطة إقامة مسكنه الشخصي وكان يحتاج إلى قليل من التضامن المالي ليتم بناءه دون عناء، فحصل التضامن معه على حساب العامة، أما هذه السنة فقد كان البطل شخصا اقترحه السيد الوزير في لجنة تحكيم الجائزة، لكنه رفض أن ينتسب للجنة وفضل أن يترشح وهذا حقه، لكنه على ما يبدو كان مدعوما من طرف عدد هام من أصدقاء الوزير في اللجنة، بل إن هذه اللجنة ربما شكلت على مقاسه، لكي ينعم بالجائزة لكن الجائزة استعصت عليه، فلم ينل ودها لسبب بسيط هو أنه نسي أن يتقدم بطلب خطي كما تنص على ذلك القوانين المنظمة للجائزة، فأخفق أصحابه في بلوغ المرام، وقد يكون العمل الذي قدمه هذا الشخص من الأعمال المستحقة للجائزة فعلا، لكن طريقة الإنزال التي أراد بعض أعضاء اللجنة أن يمرروا بها الجائزة لصفيهم كانت بشعة، إن عددا من أصدقاء السيد الوزير الأعضاء في هذه اللجنة لم يخفوا تواطؤهم على فكرة مسبقة، وهي أن يمنحوا الجائزة لهذا المرشح قبل قراءة باقي الأعمال المرشحة لكنهم لما اكتشفوا أن المرشح كان يجب إبعاده من البداية لكونه لا يستوفي شروط الترشح للجائزة، قاموا بمحاولة فرض تصوراتهم عنوة، ولما فشلوا في فرض الأمر الواقع ضدا على القانون، أعلنوا أن الجائزة محجوبة بالتغليب، ولم يعوا أنهم بهذا العمل قد وضعوا صديقهم الوزير في قفص الاتهام، فالوزير هو المسؤول أولا وأخيرا عن فضيحة حجب جائزة الترجمة، هذه الجائزة التي وإن كنت من قبل قد أردتها لنفسي بالكد والجهد والعمل الذي قدمته في الترجمة، لكني لم أكن قط ضد أن تكون لغيري من الذين يستحقونها بترجماتهم الجيدة لأعمال شامخة ورائعة، وأذكر منها على الخصوص: ترجمة عبد الرحيم حزل لكتاب: نظريات الترجمة في العصر الحديث لروبير لاروز، أو ترجمة رشيد بنحدو لرواية الطاهر بنجلون: حين تترنح ذاكرة أمي أو حتى ترجمة مصطفى النحال لكتاب محمد الناجي العبد والرعية أو غيرها من الأعمال المقدمة التي تستحق فعلا أن تنال الجائزة، لم لا؟ فالعمل الجيد ينبغي أن يدافع عن نفسه شرط أن يتم احترام الضوابط، وأن يتم الدخول من الباب بدلا من اقتحام النافذة... الأهم من كل هذا أننا نعرف كل ما جرى داخل لجنة الترجمة، وهو بكل المقاييس فضيحة تستحق التنديد والاستنكار، ثم إن حجب الجائزة يشي بما في جعبة السيد الوزير، أليست الترجمة في العمق أفقا للحداثة ومشروعا للإشراف على الآتي، والسيد الوزير وأعضاء لجنته بحجبهما لجائزة الترجمة قد أخطأوا خطأ فادحا في حق الثقافة المغربية التي رغبوا لها أن تسكن في أقبية التبعية والتقليد والمحافظة بل والظلامية عوض التنوير وحوار الثقافات والحضارات. وأنا شخصيا ـ وإن كنت لا أمثل شيئا في خريطة هذه الثقافة المغربية التي تعيش أوج انتكاستها وبؤسها بمشاريع السيد العلامة وزير ثقافتنا المبارك الذي أبان أنه يسكن زمنا غابرا وذاكرة مثقوبة ـ أعلن أني سأقاطع كل أنشطة وزارته، وأعتبر أن وزارة الثقافة، وعلى رأسها السيد بنسالم حميش، وزارة تبخس العمل الإبداعي والفكري الحداثي، وتحتقر المثقفين المغاربة المتنورين، مادامت قد تخلت عن كل المكتسبات المشرقة التي راكمها الوزراء الذين سبقوه لصالح الثقافة في بلادنا، إن وزارة الثقافة وهي تعلن تخليها عن تعويض الكُتَاب والمشتغلين بالثقافة والفكر عن جهدهم الفكري، ونيتها في التخلي عن إصدار الكتب والمؤلفات المغربية التي تستحق أن تنشر، بل التخلي عن إصدار مجلات ثقافية عريقة هي حصيلة التراكم النوعي لممارستنا الثقافية والإبداعية، إن وزارة الثقافة وهي تفرغ جائزة المغرب للكتاب من كل محتوى وتجعلها غير ذات جدوى، وتفرض حجبها اليوم وإلغاءها غدا، أعتبرها وزارة لامبرر لوجودها مادام على رأسها هذا الوزير الذي استبشرنا بتعيينه في البداية لكنه صدمنا وباغتنا ببؤس فلسفته الثقافية فأحسسنا أنه سقط على رؤوسنا مثل فاجعة، هذا الوزير الذي يبدو أن الكرسي أنساه معنى الانتماء للحداثة والسؤال.