مرثية الكتف البليل :أو أوديسيا البحث عن الشعر أو مرثية الكتف البليل محمد العربي غجو ليس صدفة أن أتولى تقديم هذا الديوان *..فصداقتي الشعرية بصاحبه تمتد سنوات إلى الوراء كان فيها الشعر ولا يزال موحدا لأرواحنا ناظما لانشغالاتنا وتفكيرنا , في رحاب الجامعة كانت أولى مؤانساتنا الشعرية وكان أول انخطافنا بسحر الكلمة وبريق غوايتها أكاد أقول إن تجربتينا في الكتابة تفتقتا من رحم شجرة إبداعية متقاربة الأنساب شبيهة في انحدارها من سلالة دوحة شعرية تتشابه أغصانها وفروعها. منذ كنا ونحن نتبادل الإصغاء العميق لكل ما يستجد في سماء دواخلنا/ نحن أبناء جيل شعري وجد نفسه في مفترق الطرق بين مدرسة شعرية تكاملت واستقرت ملامحها وتيار آخر آخذ في التبلور والتشكل وفق تصورات جديدة ومغايرة للإبداع والكتابة. مدرسة طغى على مفردات خطابها الشعري الهم السياسي والإيديولوجي وتحكمت في آليات اشتغالها النصي بنى السقوط والانتظار والتأسيس والمواجهة والشهادة والاستشهاد كما درج النقد على تسميتها وتوصيفها وتيار آخر لم يجمعه إلا التنوع في الرؤى والمفاهيم والحساسيات ولم يوحده غير البحث عن التفرد الإبداعي والانشغال بما هو جمالي في مقابل ما هو سياسي وإيديولوجي .. وإذا كانت كوكبة هامة من أفراد هذا الجيل قد أعلنت بصريح العبارة القطيعة مع الجيل السابق ورفعت راية العصيان داعية لقتل الأب الشعري ومعلنة أنها تؤسس انطلاقا من يتمها الشعري ألفباء الشعرية المغربية المعاصرة على حد تعبير أحد النقاد فإن طيفا آخر من شعراء هذا التيار ارتأى ألا يقطع حبل الصرة مع منجز الجيل السابق ويحتفظ في نطاق من التجديد والبحث عن الخصوصية ببعض خصائص هذا المنجز وملامحه... ولاشك أن ديوان الصديق الشاعر مزوار الإدريسي "مرثية الكتف البليل" لا يستعصي على الاندراج ضمن هذا النسق ليس فقط لأن قصائده تعتمد نظام التفعيلة وتضع مسافة واضحة مع قصيدة النثر بل لأن كتابته الشعرية تحمل الكثير مما يشير إلى أنها تنحدر من تقليد شعري بقدر ما هو متأصل في تربة الشعر المغربي والعربي بقدر ما هو جاد وقلق ومهووس بالبحث عما يمنحه فرادته وتميزه. "مرثية الكتف البليل" إضمامة شعرية تتألف من إحدى وعشرين نصا شعريا خيطها الناظم نفس غنائي واحتفال بالإيقاع حد الهوس وبحث وتعقب للصور المنفلتة واللحظات المدهشة وتجريب لأكثر من إمكانية لمباشرة القول الشعري سواء على مستوى المضامين أو على مستوى هندسة النصوص او لغتها وأنا في معرض التملي بنصوص الديوان والتجوال بين ربوع قصائده ألح علي السؤال التالي لماذا اختار الشاعر هذا العنوان تحديدا ؟ وهل ثمة معايير أوخلفيات جمالية استند عليها في هذا الاختيار؟ صحيح أن القصيدة ذات الارتباط بالعنوان هي قصيدة جميلة وعميقة وتنطوي على جهد فني واضح لكنني لم أجد ما يكفي من المبررات لجعلها تتصدر واجهته, اللهم إذا كان الأمر يتعلق برغبة الشاعر في التركيز على موضوع له نصيبه من الراهنية والإثارة مما قد يكون له علاقة بشروط وسياقات التلقي الشعري في راهننا الشعري و الثقافي. إن طرحي لهذا الإشكال لا يتوخى منازعة الشاعر حقه في اختيار عنوان كتابه بل ينبعث من تقدير مغاير يقول بأهلية عناوين ونصوص أخرى تعكس ما قد أسميه تيارا عاما للكتابة داخل الديوان وبالتالي فمن حقها تصدر واجهته. وبعيدا عن العنوان وعن الإشكالات التي يثيرها سأحاول الوقوف في ما يلي عند بعض تيمات الديوان مختزلا مقاربتي هذه فيما أراه لحظات أساسية تشكل القيمة المضافة لهذا العمل الذي يبقى في حاجة ماسة إلى أكثر من هذه القراءة التقديمية المستعجلة. وهذه اللحظات هي ـ لحظة الكشف الشعري ـ اللحظة الصوفية ـ لحظة الهشاشة ـ اللحظة المأساوية ـ لحظة الحوار مع الآخر 1- لحظة الكشف الشعري : وأقصد بها انشغال الذات الشاعرة بعالمها الداخلي ببحثها عن فاعليتها الشعرية الخاصة بإماطتها اللثام عن أسرار الكتابة ومغاليقها بحفر أخاديدها ومجاريها المتوحشة في جسد اللغة يقول مزوار الإدريسي كاشفا عن ملامح وجهه في مرآة الكتابة : أنتذا شاعر/ يربك الكأس والإستعارة / يروي العبارة /ينسج الظل عند تخوم مرايا تصدق أحزانه/ويفيض هديلا / على صخرة المستحيل /أنتذا بين عينيك تذرو القصيدة/ زينتها للقناديل /أو تتجرد بين الينابيع / كامرأة تبذر الصمت/ أو تنهب الوقت /وهي تشق السبيل( من قصيدة العنكبوت ص 5 من الديوان) للحظة الشعرية إذن ألقها ولها سحرها الذي يطوح بالشاعر في مهاوي البياض وفي سرير الليل يهمس لكائناته: وهجا كدم الليل قبل الرحيل / أختلي بيدي وبالأرض / مستدركا لغة كالخطيئة باذخة / بالخسارات رابضة بين أجنحة الذكريات / ونافذة يسرح القمر المرمري على صدرها / خجلا من بياضه/ ممتطيا صمته كي ينام نديا / على سعفات النخيل / ( من قصيدة غواية ص 25) 2 ـ اللحظة الصوفية: وكما ينجح الشاعر في أكثر من قصيدة في توريطنا في مفازات لغته الحالمة وهو يروي لنا فصولا من سيرته مع الكتابة ينجح أيضا في الارتقاء بالنص إلى مدارج اللحظة الصوفية حيث نحس في قصيدة( ابتهال ص 47 ) بأرواحنا تعبق بنفحات وجد صوفي أخاذ لا نملك بعده إلا أن نغرق في نهر من الانتشاء الروحي الجميل : شمعة لنداء السماء / شمعة للمساء الطفولي / توقدها لغة تتدلى/ على كتف الوقت / مفعمة بالرواء /شفة لتراتيل مئذنة / تتجلى /لليل السرى / من سجوف العناية /حتى غبار البداية /لحظة يعلو النداء / شرفة لعناق حبيبين / يشتعلان / على حافة الليل / في غفلة / عن دخان وماء / دهشة لرسو العبارة / بين اكتمال الدلالة / والإنخطاف بنور الفناء. 3 ـ لحظة الهشاشة: أجمل ما يكون الشعر هو حينما يمتد إلى مناطق الهشاشة الإنسانية ويتنصل من قهر المواضعات الاجتماعية وإكراه الموروثات الثقافية آنذاك يظفر الشاعر بحريته ويتصالح مع جوهره وكينونته آنذاك تبدو شاشة الكون أكثر نصاعة و تتحول الذات الشاعرة إلى ذرات سابحة في فضاء عميق من الأسئلة المتشطية والحارقة آنذاك يقف الشاعر على حافة الكون ليرقب الانهيار العظيم ويشهد أنه رأى دونما قدرة على أن يبوح بما رأى: خطوة /خطوة/ تقذف الطرقات وراء /تترك التعب الأبدي /غريب اليدين/ بلا سحنات / كسير النداء / خطوة /خطوة/ تدخل الزمن اللولبي / وتدرك أن المسير هباء. ( من قصيدة عدم ص 9) ( قصيدة لوحة ص 15)
(قصيدة سيرفانتيس ص 37)
|