jueves, 5 de abril de 2007

المهدي بن بركة و مؤتمر القا رات الثلاث

المهدي بن بركة ومؤتمر القارات الثلاث

رينه غاليسو
sm@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 1558 - 2006 / 5 / 22

عند اختطافه في باريس، يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1965، كان المهدي بن بركة يعدّ لعقد مؤتمر القارات الثلاث في لاهاي خلال شهر كانون الثاني/يناير 1966. بمناسبة الذكرى الأربعين لاغتياله، نشير هنا إلى هذا البعد غير المعروف كثيراً في نشاطات الزعيم الاشتراكي المغربي كناشط بين الحركات الثورية في العالم الثالث.

كان العام مليئاً بالأحداث المثيرة: اهتزازات في الكتلة الشيوعية، الحملة العسكرية الفرنسية البريطانية على السويس. ففي 26 تموز/يوليو، قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم القناة. كان انهيار مصر متوقَّعاً، لكن العكس حدث مع تصاعد النضالات الاستقلالية. وكان مؤتمر باندونغ (نيسان/ابريل 1955 [1]) أعلن انطلاقة حركات التحرّر الوطني في آسيا وأفريقيا، قبل أن تطال الموجة أميركا اللاتينية وبعدها المستعمرات البرتغالية في إفريقيا وبعد حين إفريقيا الجنوبية.

من يتذكّر يوم 14 تموز/يوليو 1958 عندما أعلنت الجمهورية في بغداد، ناصعة، دون حجاب ديني، مجددة إعلان ثورة 1789 العلمانية الحاضنة للأقليات والواعدة بتعددية الفكر والتعبير؟ طالت الحرب الفرنسية في الجزائر لكن النضال الجزائري بقي صامداً حتى النهاية. مركز الجاذبية في إفريقيا كانت الكونغو الخارجة من الهيمنة البلجيكية. فمؤتمر القارات الثلاث كان موجوداً قبل انعقاده في الوقائع على الأرض.

بغية إيجاد تلاقٍ بين حركات التحرّر في العالم الثالث، كان المهدي بن بركة [2] يحضّر، لحظة اغتياله في تشرين الأول/أكتوبر 1965، لانعقاد مؤتمر القارات الثلاث في هافانا بين 3 و13 كانون الثاني/يناير 1966. وكانت منظمة التضامن بين شعوب إفريقيا وآسيا عقدت اجتماعها الأول في أكرا، عاصمة غانا، في العام 1957 حيث مثّل حوالي 500 مندوب قادمين من 35 بلداً حركات التحرر والأحزاب أكثر ممّا مثّلوا دولهم، وكان اللقاء بمثابة حركة دولية. وقد رئس صندوق مساعدات التضامن السيد اسماعيل توره، شقيق رئيس جمهورية غينيا (كوناكري) سيكو توره، ساعده في ذلك ثلاثة نواب منهم المهدي بن بركة. والسؤال المطروح أمام منظمة التضامن الافرو آسيوي كان احتمال توسيعها لتشمل كوبا وجزر الكاريبي وأميركا الجنوبية. وقد طُرحت المسألة مجدّداً في القاهرة في آذار/مارس 1961، من قبل اللجنة الجديدة المُسمّاة "لجنة الاستعمار الجديد" برئاسة المهدي بن بركة.

وقد طرح تحوّل الأنظمة المنبثقة، من الاستقلال إلى مؤسّسات حكم، مسائل جديدة ممّا يدعو إلى التمييز بين استراتجيات السلطة الدولتية وما يتعلّق بالتوجّه الدولي لحركات التحرير. في العام 1961، وفي مواجهة الحكومات "المعتدلة"، التأم اجتماع للدول المصنَّفة تقدّمية، بدعوة من مجموعة الدار البيضاء: مصر، غانا (الداعية إلى الوحدة الإفريقية بتوجيه من كوامه نكروما)، غينيا، مالي، ليبيا (كملجأ أو نقطة التقاء) والمغرب بسبب وجود حكومة يسارية برئاسة عبدالله ابراهيم والتي كانت قدّمت استقالتها.

اختفت هذه المجموعة عام 1963، مع إعلان قيام منظمة الوحدة الإفريقية التي تبنّت، في مؤتمر أديس أبابا، شرعة ارتبطت بها الدول الأعضاء. وكانت مهمّتها المُلحّة المحافظة على "كيان" البلدان: دولة، شعب وأرض. التحدّث باسم الدولة يعني التحدّث باسم الشعب وامتلاكه. فكانت شعبوية الدولة تمثّل الأساس الإيديولوجي للمنظمة، فيما كانت منظمة التضامن بين شعوب آسيا وإفريقيا تسعى لإعطاء الاستقلال محتوىً وطنياً تنموياً وكسْر الانغلاق القومي عبر التضامن.

بفعل حكميْن عليه بالإعدام في المغرب، كان بن بركة منفياً بين القاهرة وجنيف. وخلال الأشهر الستة التي أمضاها في الجزائر عام 1964، عمل على رسم توجّه أُمميّ لنضالات التحرّر الوطني المتلاقية. لم يكن هذا السعي مستوحًى فقط من غضبة فرانز فانون [3]، بل جاء من ابعد منها، من "خطاب في الاستعمار" لايميه سيزير ومن كتاب اليسؤ ميمي، "صورة المستعمَر (بفتح الميم) تسبقها صورة المستعمِر (بكسر الميم)" (1975). وقد تغذّى من المبادلات مع الفكر المناهض للإمبريالية البريطانية في إفريقيا والمتمثّل بجومو كنياتا وكوامه نكروما وجوليوس نيريره.

تحوّلت العاصمة الجزائرية مرتعاً فكرياً للمعارضة الثورية الدولية. وكان يؤمّها زعماء حركات التحرير، وفي طليعتهم المنفيّون من المستعمرات البرتغالية بعد الاضطرابات التي شهدتها انغولا (1960) وغينيا بيساو (1962) والموزامبيق (1963). وكان الخلاسيّون والاقلّيات كالمثقّفين من الرأس الأخضر، لا سيما اميلكار كابرال، يحملون إليها أصداء التيارات التحرّرية القادمة من القارة الاميركية. وفي العام 1964، نزل في الجزائر العاصمة مالكولم أكس، احد ابرز وجوه حركة السود في الولايات المتحدة. كذلك مرّ فيها، ربيع 1965، ارنستو تشي غيفارا قبل ذهابه للتواصل مع متمرّدي الكونغو. إنّ كسر حلقة التخلّف ليس مشروعاً وطنياً، بل عمل منسّق ضدّ التبعية للنظام الرأسمالي المتنوّع الأقطاب لكن المرتبط بالهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الاميركية. وكان بن بركة يكرّر القول: "إنّ إفريقيا هي بالنسبة لأوروبا كما أميركا اللاتينية للولايات المتحدة". فيأخذ العمل على توحيد المغرب بعداً مناهضاً للإمبريالية. نخرج هكذا من التنمية الكيانيّة التي تُحجر على اليسار، ضمن إطار الدول الجديدة، وتربطه في خدمتها من باب الشعور الوطني أو النخبوية التكنوقراطية. لا تنتمي حركة القارات الثلاث إلى المسار السوفياتي،ممّا يتسبّب باحتكاكات مع الأحزاب الشيوعية، كما أنها لا تدين بالولاء للماويّة. كان في نية المهدي بن بركة إطلاق دينامية مستقلّة، يكون إنجازه تأمين التعاون والتوازن بين الاتحاد السوفياتي والصّين.

في الجزائر، أراد بن بركة إصدار مجلة للإعلام والتعبئة والنقاش، ناطقة باسم لجنة مناهضة الاستعمار التابعة لمنظمة التضامن الافرو آسيوي، وهي بعنوان "المجلة الإفريقية". اتّسعت الرؤية لتشمل الثورة الكوبية وأميركا اللاتينية. ما أثار حماسته للثورة الكوبية كان نجاح حملة محو الأمية التي كان يحلم بها بالنسبة للمغرب. فسعى لتأسيس مركز للدراسات والتوثيق حول حركات التحرّر الوطني، كما راهن على الإمكانات الثورية لشبيبة العالم الثالث، ليرسم مشروع جامعة القارات الثلاث.

في موازاة ذلك، كان هنري كورييل ينشّط شبكة التضامن التي كانت تركّز على مساعدة الفارّين الاميركيين من الجندية في فيتنام، وفتح مراكز تدريب لمناضلي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المحظور منذ 1960 والمناهض للتمييز العنصري في إفريقيا الجنوبية. ربما وقّع كورييل بأفعاله هذه قرار إعدامه حيث اغتيل في العام 1978 [4].

من كوبا، وبعد فشل عملية خليج الخنازير التي أمر بها الرئيس جون كينيدي لإسقاط فيديل كاسترو، تحدّى هذا الأخير الولايات المتحدة وأعلن في خطاب من هافانا بتاريخ 16 نيسان/ابريل 1961: "إنّ الأفكار الاشتراكية هي الأفكار الثورية في حقبتنا التاريخية الراهنة". أعلنت واشنطن فرض الحصار على كوبا (ما زال سارياًَ حتى اليوم)، فتقرّبت هافانا من موسكو، وأزمة الصواريخ التي أقامتها موسكو في الجزيرة أدّت بالكتلتيْن إلى حافة المواجهة العسكرية. في شباط/فبراير 1962، طُردت كوبا من منظمة الدول الاميركية، فردّ كاسترو بالطلب "من الشعوب بالتحرّك". كان هذا هدف مؤتمر القارات الثلاث. في 3 تشرين الأول/أكتوبر 1965، وخلال مؤتمر صحفي تحضيريّ لمؤتمر هافانا، أعلن المهدي بن بركة "أنّ تياري الثورة العالمية ممثّلان فيه: التيار المنبثق من ثورة أكتوبر وتيار الثورة الوطنية التحررية".

إنّ السبب العميق وراء اختطاف بن بركة واغتياله هو في هذه الانطلاقة الثورية لمؤتمر القارات الثلاث. بالطبع إنّ مساهمة أعلى هرم السلطة المغربية في الجريمة كبيرة. في المغرب، تظاهر الطلاب والتلامذة بمساندة أهاليهم، في 22 و23 آذار/مارس 1965، ضدّ الكوتا المدرسية. وقد عمدت السلطات إلى قمع مظاهرة شعبية في الدار البيضاء، بأوامر من وزير الداخلية، الجنرال اوفقير. أُعلنت حالة الطوارئ. في الفصل التالي، لمح الحسن الثاني في اتجاه المهدي بن بركة، إلى إمكانية انفتاح باتجاه حكومة وحدة وطنية. في عرضه لشروط لم تنجز لعملية الانتقال الديموقراطي، قدّم بن بركة جوابه في تقرير رفعه إلى المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوى الشعبية، عام 1962، تحت عنوان "الخيار الثوريّ في المغرب" [5]. ابتداءً من شهر حيران/يونيو، أُغلقت النافذة الكاذبة وتوثّق التنسيق بين القصر الملكي وأجهزة المخابرات والدبلوماسية الاميركية.

كان بن بركة يكرّس نفسه للتحضير لمؤتمر القارات الثلاث. فالمؤتمر الرابع لمنظمة التضامن بين إفريقيا وآسيا قرّر أخيراً، وخلال اجتماعه في أكره (غانا) بين 6 و9 أيار/مايو 1965، ضمّ أميركا اللاتينية والأخذ في الاعتبار المؤتمر التأسيسي المنعقد في هافانا خلال شهر كانون الثاني/يناير 1966. ترأس بن بركة اللجنة التحضيرية، وفي تموز/يوليو حصل على تعاون السوفيات والصينيين. حدّد الأهداف: دعم حركات التحرّر الوطني، لا سيّما الحركة الفلسطينية، تعزيز النضالات بما فيها الكفاح المسلّح فوق القارات الثلاث، مساندة كوبا، تصفية القواعد العسكرية الأجنبية، معارضة الأسلحة النووية والتمييز العنصري. زار بن بركة العاصمة الكوبية من أجل التحضير لافتتاح المؤتمر في 3 كانون الثاني/يناير 1966.

بات التخلّص من بن بركة مطلباً رئيسياً في حملة القمع الدولية ضدّ التمرّد في العالم الثالث، في 19 حزيران/يونيو 1965، مع الانقلاب الذي أوصل العقيد هواري بومدين إلى السلطة، حُرم بن بركة ومشروع القارات الثلاث من دعم بن بلاّ. وكذلك في 30 أيلول/سبتمبر، خسر الرئيس سوكارنو عملياً سلطته في اندونيسيا، إحدى القواعد الأساسية للحركة. من اجل إدراك غائيّة الجريمة، يكفي استعراض سلسلة الاغتيالات السياسية والانقلابات التي هدفت، في المرحلة نفسها، إلى ترسيخ النظام الرجعيّ. في العام 1965 فقط، قُتل رئيس الوزراء الإيراني علي منصور (21 كانون الثاني/يناير) ومالكولم أكس (21 شباط/فبراير) واحد زعماء المعارضة البرتغالية، مانويل دلغادو (24 نيسان/ابريل)، ومساعد وزير دفاع غواتيمالا، ارنستو مولينا (21 أيار/مايو)... سيتمّ اغتيال غيفارا عام 1967 ومارتن لوثر كينغ في العام التالي واميلكار كابرال في العام 1973...

كان ذلك بمثابة "صراع طبقيّ عالمي"، من خلال اللجوء إلى القوة المسلحة وكوماندوس الظلام وفرض الحكام الديكتاتوريين أو التدخل العسكري، ما بين نهاية حرب الجزائر (1962) ونهاية حرب فيتنام (1975). وكان السعي إلى تحرّر حقيقي يُعطي الموقع الطليعي لحركات التحرّر التي سعت حركة القارات الثلاث إلى تأطير قدراتها التقدّمية. إنّ البعد التحرّري العالمي هو الذي كان مُستهدَفاً باغتيال المهدي بن بركة.






--------------------------------------------------------------------------------

* مؤرّخ وأستاذ سابق في جامعة الجزائر ومدير سابق لمؤسّسة "المغرب ـ أوروبا" في جامعة باريس الثامنة، أستاذ شرف.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] Jean Lacouture, “ Bandung ou la fin de l’ère coloniale ”, Le Monde diplomatique, avril 2005.

[2] المهدي بن بركة (1920-1965) كان احد زعماء الحركة المناهضة للاستعمار التي قادت المغرب إلى الاستقلال عام 1956. أسس في العام 1959 الاتحاد الوطني للقوى الشعبية لكنه اضطر إلى النفي لعد اتهامه بالتآمر. وقد حكمت عليه السلطات المغربية بالموت غيابيا عام 1964. اختطف في باريس في 29/10/1956 ولم يعثر على جثته. أثارت "قضية بن بركة" أزمة عميقة طالت العلاقات الفرنسية المغربية. حتى الآن لم تكشف الحقيقة كاملة حول هذه المسألة. راجع

[3] فرانز فانون (1925-1961)، عالم نفس وكاتب مناضل من المارتينيك، من مؤلفاته Peau noire et masques blancs (1950) et Les Damnés de la terre (1961).

[4] Gilles Perrault “ Henri Curiel, citoyen du tiers-monde ”, Le Monde diplomatique, avril 1998. Lire Didar Fawzy, “ Ben Barka, Curiel, la Tricontinentale et Solidarité ”, in Colloque Ben Barka, op. cit.
1957-1965, Syllepse, Paris, 1999

[5] . Mehdi Ben Barka, Option révolutionnaire au Maroc. Coll. “ Cahiers libres ”, Maspero, Paris, 1966. Repris dans Mehdi Ben Barka, Ecrits politiques
.